فصل في الكلام على البيت المعمور
روي عن علي ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال : البيت المعمور بيت في السماء يقال له الضراح ، وهو بجبال الكعبة من فوقها ، حرمته في السّماء كحرمة البيت في الأرض ، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفا من الملائكة لا يعودون فيه أبدا.
وذكر علي ـ رضي الله تعالى عنه ـ أنه مر عليه الدهر بعد بناء إبراهيم ، فانهدم فبنته العمالقة ، ومر عليه الدهر فانهدم ، فبنته جرهم ، ومر عليه الدهر فانهدم ، بنته قريش ورسول الله صلىاللهعليهوسلم يومئذ شابّ ، فلما أرادوا أن يرفعوا الحجر الأسود اختصموا فيه ، فقالوا : يحكم بيننا أول رجل يخرج من هذه السّكة ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم أول من خرج عليهم ، فقضى بينهم أن يجعلوا الحجر في مرط ، ثم ترفعه جميع القبائل ، فرفعوه كلهم فأخذه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ووضعه.
وعن الزهري قال : بلغني أنهم وجدوا في مقام إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ ثلاثة صفوح في كل صفح كتاب.
في الصفح الأول : أنا الله ذو بكّة صنعتها يوم صنعت الشمس والقمر ، وحففتها بسبعة أملاك حفّا ، وباركت لأهلها في اللحم واللبن.
وفي الصفح الثاني : أنا الله ذو بكّة خلقت الرحم ، وشققت لها اسما من اسمي من وصلها وصلته ، ومن قطعها قطعته.
وفي الثالث : أنا الله ذو بكّة خلقت الخير والشرّ ، فطوبى لمن كان الخير على يديه ، وويل لمن كان الشر على يديه. وقال صلوات الله وسلامه عليه : «الرّكن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنّة طمس الله تعالى نورهما ، ولو لا ذلك لأضاء لهما ما بين المشرق والمغرب ، وما مسهما ذو عاهة ولا سقيم إلّا شفي» (١).
وعن ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «هذا الحجر له عينان يبصر بهما يوم القيامة وإنّه كان أشدّ بياضا من الثّلج حتّى سوّدته خطايا أهل الشّرك» (٢).
وعن ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «هذا الحجر يأتي يوم القيامة له عينان يبصر بهما ، ولسان ينطق به ، يشهد على من استلمه بحقّ» (٣).
وعن ابن عمر ـ رضي الله تعالى عنهما ـ أنه قبّل الحجر الأسود وقال : «إنّي لأعلم أنك
__________________
(١) أخرجه أحمد (٢ / ٢١٤) والحاكم (١ / ٤٥٦) والترمذي (٨٧٨) والبيهقي (٥ / ٧٥) وابن حبان (١٠٠٤ ـ موارد) وابن خزيمة (٢٧٣١) وقال الترمذي : حديث غريب.
(٢) أخرجه أحمد (١ / ٣٠٧) والخطيب (٧ / ٣٦٢) وذكره الهندي في «كنز العمال» (٤٧٢٤).
(٣) انظر الدر المنثور للسيوطي : (١ / ٢٤٨ ، ٢٤٩ ، ٢٥٠).