وروي عن ابن عباس ومجاهد وعطاء : أن الطواف لأهل الأنصار أفضل ، والصلاة لأهل «مكة» أفضل.
ومنها جواز الاعتكاف في البيت.
ومنها جواز الصلاة في البيت فرضا أو نفلا إذ لم تفرق الآية بين شيئين منها ، خلافا لمن منع جواز الصّلاة المفروضة في البيت.
فإن قيل : لا تسلم دلالة الآية على ذلك ؛ لأنه ـ تعالى ـ لم يقل : والركّع السجود في البيت ، وكما لا تدلّ الآية على جواز فعل الطّواف في جوف البيت ، وإنما دلّت على فعله خارج البيت كذلك دلالته مقصورة على جواز فعل الصّلاة إلى البيت متوجّهة إليه ، فالجواب ظاهر لأنه يتناول الرجع السجود إلى البيت ، سواء كان ذلك في البيت ، أو خارجا عنها ، وإنما أوجبنا وقوع الطواف خارج البيت هو أن يطوف بالبيت ، ولا يسمى طائفا بالبيت من طاف في جوفه ، والله ـ تعالى ـ إنما أمر بالطواف به لا بالطواف فيه ، لقوله تعالى : (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحج : ٢٩].
وأيضا المراد لو كان التوجه إليه للصلاة ، لما كان الأمر بتطهير البيت للركع السجود وجه ، إذ كان حاضرو البيت والغائبون عنه سواء في الأمر بالتوجّه إليه.
فإن قيل : احتجّ المخالف بقوله تعالى : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [البقرة : ١٤٤] ومن كان داخل المسجد الحرام لم يكن متوجّها إلى المسجد ، بل إلى جزء من أجزائه.
والجواب : أن المتوجّه الواحد يستحيل أن يكون متوجها إلى كلّ المسجد ، بل لا بد وأن يكون متوجها إلى جزء من أجزائه ، ومن كان داخل البيت فهو كذلك ، فوجب أن يكون داخلا تحت الآية.
فصل في تطهير جميع بيوت الله
ويدخل في هذا المعنى جميع بيوت الله تعالى ، فيكون حكمها حكمه في التطهير والنظافة ، وإنما خص الكعبة بالذكر ؛ لأنه لم يكن هناك غيرها.
قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)(١٢٦)
قال القاضي رحمهالله تعالى : في هذه الآيات تقديم وتأخير ، لأن قوله : (رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً) لا يمكن إلّا بعد دخول البلد في الوجود ، والذي ذكره من بعد وهو قوله : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ) [البقرة : ١٢٧] وإن كان متأخرا في التلاوة ، فهو متقدم في المعنى.