«مكة» بالأمن والتّوسعة بما يجلب إلى «مكة» فلم يصل إليه جبّار إلا قصمه الله ـ عزوجل ـ كما فعل بأصحاب الفيل.
فصل في الرد على بعض الشّبهات
فإن قيل : أليس أن الحجّاج حارب ابن الزبير ، وخرب الكعبة ، وقصد أهلها بكل سوء وتم له ذلك؟
فالجواب (١) : لم يكن مقصوده تخريب الكعبة لذاتها ، بل كان مقصوده شيئا آخر.
فإن قيل : ما الفائدة في قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام : (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) [إبراهيم : ٣٥] ، وقد أخبر الله ـ تعالى ـ قبل ذلك بقوله تعالى : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً)
فالجواب من وجوه :
أحدها : أن الله ـ تعالى ـ لما أخبره بأنه جعل البيت مثابة للناس وأمنا ، ووقع في خاطره أنه إنما جعل البيت وحده أمنا ، فطلب إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن يكون الأمن بجميع البلد.
وثانيها : أن يكون قوله تعالى : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ) بعد قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام : (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) فيكون إجابة لدعائه ، وعلى هذا فيكون مقدما في التلاوة مؤخرا في الحكم.
وثالثها : أن يكون المراد من الأمن المذكور في قوله تعالى : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً)(٢)
(لِلنَّاسِ وَأَمْناً) هو الأمن من الأعداء والخيف والخسف والمسخ ، والمراد من الأمن في دعاء إبراهيم هو الأمن من القحط ، ولهذا قال : «وارزق أهله من الثّمرات».
فإن قيل : الأمن والخصب مما يتعلّق بمنافع الدنيا ، فكيف يليق بالرسول المعظم طلبها؟
فجوابه من وجوه :
أحدها : أن الدنيا إذا طلبت ليتقوى بها على الدين كان ذلك من أعظم أركان الدين ، وإذا كان البلد أمنا مخصبا تفرغ أهلها لطاعة الله ـ تعالى ـ وإذا كان ضد ذلك كانوا على ضد ذلك.
وثانيها : أنه ـ تعالى ـ جعله مثابة للناس ، والناس إنما يمكنهم الذّهاب إليه إذا كانت الطرق آمنة ، والأقوات هناك رخيصة.
__________________
(١) في أ : قلنا.