قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام : (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) [إبراهيم : ٣٧] وهذا يقتضي أنها كان محرمة قبل ذلك ، ثم إن إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ أكّده بهذا الدعاء.
وقيل : إنها إنما صارت حرما آمنا بدعاء إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ وقبله كانت كسائر البلد ، والدليل عليه قوله عليهالسلام : «اللهمّ إنّي حرّمت المدينة كمّا حرّم إبراهيم مكّة» (١).
وقيل : كانت حراما قبل الدعوة بوجه غير الوجه الذي صارت به حراما بعد الدعوة.
قوله : (مَنْ آمَنَ) بدل بعض من كلّ ، [وهو «أهله»] ولذلك عاد فيه ضميره على المبدل منه ، و «من» في «من الثّمرات» للتبعيض.
وقيل : للبيان ، وليس بشيء ، إذ لم يتقدّم مبهم يبين بها.
فصل في تخصيص المؤمنين بهذا الدّعاء
إنما خصّ المؤمنين بهذا الدعاء لوجهين :
الأول : أنه لما سأل الله ـ تعالى ـ أن يجعل الإمامة في ذرّيته ، قال الله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [البقرة : ١٢٤] فصار ذلك [تأديبا](٢) في المسألة ، فلما ميّز الله ـ تعالى ـ المؤمنين عن الكافرين في باب الإمامة ، لا جرم خصّص المؤمنين بهذا الدّعاء دون الكافرين.
الثاني : يحتمل أن إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ قوي في ظنه أنه إن دعا للكلّ كثر في البلد الكفار ، فيكون في كثرتهم مفسدة ومضرّة في ذهاب الناس إلى الحجّ ، فخصّ المؤمنين بالدعاء لهذا السبب.
قوله : (وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ) يجوز في «من» ثلاثة أوجه.
أحدها : أن تكون موصولة ، وفي محلّها وجهان :
أحدهما : أنها في محلّ نصب بفعل محذوف تقديره ، قال الله : وأرزق من كفر ، ويكون «فأمتعه» معطوفا على هذا الفعل المقدر.
والثاني [من الوجهين] : أن يكون في محلّ رفع بالابتداء ، و «فأمتعه» الخبر ، دخلت الفاء في الخبر تشبيها له بالشرط.
__________________
(١) أخرجه البيهقي في السنن (٥ / ٢٠١) بلفظه وابن أبي شيبة (١٤ / ٢٠٠).
وذكره المنذري في الترغيب ٢ / ٢٢٥.
والهندي في كنز العمال حديث رقم (٣٨١٥١).
(٢) في أ : كالتأديب له.