قال القرطبي : سألاه التثبت والدوام و «الإسلام» في هذا الموضع : الإيمان والأعمال جميعا ، ومنه قوله تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) [آل عمران : ١٩] ، وكفى هذا دليلا لمن قال إن الإيمان والإسلام هما شيء واحد ، ويؤيده قوله تعالى : (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [الذاريات : ٣٥ ، ٣٦] والله أعلم.
قوله : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً) فيه قولان :
أحدهما ـ وهو الظاهر ـ أن «من ذرّيتنا» صفة لموصوف محذوف وهو مفعول أول ، و «أمة مسلمة» مفعول ثان تقديره : واجعل فريقا من ذرّيتنا أمة مسلمة.
وفي «من» حينئذ ثلاثة أقوال :
أحدها : أنها للتبعيض.
والثاني ـ أجازه الزمخشري ـ أن تكون للتبيين ، قال تبارك وتعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) [النور : ٥٥].
الثالث : أن تكون لابتداء غاية الجعل ، قاله أبو البقاء.
والثاني من القولين : أن يكون «أمة» هو المفعول الأول ، و «من ذرّيتنا» حال منها ؛ لأنه في الأصل صفة نكرة ، فلما قدم عليها انتصب حالا ، و «مسلمة» هو المفعول الثاني ، والأصل : واجعل الأمة من ذريتنا مسلمة ، ف «الواو» داخلة في الأصل على «أمة» ، وإنما فصل بينهما بقوله : (مِنْ ذُرِّيَّتِنا) وهو جائز ؛ لأنه من جملة الكلام المعطوف ، وفي إجازته ذلك نظر ، فإن النحويين كأبي عليّ وغيره منعوا الفصل بالظّرف [بين حرف العطف](١) إذا كان على حرف واحد وبين المعطوف وجعلوا منه قوله : [المنسرح]
٧٨٦ ـ يوما تراها كشبه أردية ال |
|
عصب ويوما أديمها نغلا (٢) |
ضرورة ، فالفصل في الحال أبعد ، وصار ما أجازه نظير قولك : «ضرب الرجل ومتجردة المرأة زيد» وهذا غير فصيح ، ولا يجوز أن يكون أجعل المقدرة بمعنى أخلق وأوجد ، فيتعدى لواحد ، ويتعلق «من ذرّيتنا» به ، ويكون «أمة» مفعولا به ، لأنه إن كان من عطف المفردات لزم التشريك في العامل الأول ، والعامل الأول ليس معناه «اخلق» إنما معناه «صيّر».
وإن كان من عطف الجمل ، فلا يحذف إلا ما دلّ عليه المنطوق ، والمنطوق ليس بمعنى الخلق ، فكذلك المحذوف ألا تراهم منعوا في قوله : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) البيت للأعشى ينظر ديوانه : ص ٢٨٣ ، وشرح شواهد الإيضاح : ص ١٢٤ ، ولسان العرب (خمس) ، (نغل) ، (أدم) ، الخصائص : ٢ / ٣٩٥ ، وشرح عمدة الحافظ : ص ٦٣٦ ، والدر المصون : ١ / ٣٧٠.