أحدها : أنها في محلّ نصب صفة ثانية ل «رسولا» ، وجاء هذا على الترتيب الأحسن ، إذ تقدم ما هو شبيه بالمفرد ، وهو المجرور على الجملة.
والثاني : أنها في محل نصب على الحال من «رسولا» ؛ لأنه لما وصف تخصص.
الثالث : أنها حال من الضمير في «منهم» ، والعامل فيها الاستقرار الذي تعلّق به «منهم» لوقوعه صفة.
وتقدم قوله : (الْعَزِيزُ ؛) لأنها صفة ذات ، وتأخر (الْحَكِيمُ ؛) لأنها صفة فعل.
ويقال : عزّ يعزّ ، ويعزّ ، ويعزّ ، ولكن باختلاف معنى ، فالمضموم بمعنى «غلب» ، ومنه : (وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) [ص : ٢٣].
والمفتوح بمعنى [الشدة ، ومنه : عزّ لحم الناقة ، أي : اشتد ، وعزّ عليّ هذا الأمر ، والمكسور بمعنى](١) النّفاسة وقلّة النظير.
فصل في الكلام على دعاء سيدنا إبراهيم
اعلم أن هذا الدعاء يفيد كمال حال ذرّيته من وجهين :
أحدهما : أن يكون فيهم رسول يكمل لهم الدين والشرع.
والثاني : أن يكون المبعوث منهم لا من غيرهم ، لأن الرسول والمرسل إليه إذا كانا معا من ذريته ، كان أشرف لطلبته إذا أجيب إليها ، وإذا كان منهم ، فإنهم يعرفون مولده ومنشأه ، فيقرب الأمر عليهم في معرفة صدقه ، وأمانته ، وكان أحرص الناس على خيرهم ، وأشفق عليهم من الأجنبي لو أرسل إليهم.
أجمع المفسرون على أن الرسول هو محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ روي أنه عليه الصلاة والسلام قال : «أنا دعوة إبراهيم وبشارة عيسى» (٢).
وأراد بالدعوة هذه الآية ، وبشارة عيسى عليه الصلاة والسلام ما ذكره في سورة «الصف» من قوله : (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [الصف : ٦].
وثالثها : أن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ إنما دعا بهذا الدعاء ب «مكة» لذريته الذين يكونون بها ، وبما حولها ، ولم يبعث الله تعالى إلى من ب «مكة» وما حولها إلّا محمدا صلىاللهعليهوسلم.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : كل الأنبياء ـ عليهم الصّلاة والسّلام ـ من بني
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) أخرجه أحمد في المسند (٤ / ١٢٧ ـ ١٢٨). وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة (١ / ٦٩). وابن سعد في الطبقات (١ / ١ / ٩٦) ـ وابن عساكر : ١ / ٣٩. والطبري في التفسير (١ / ٤٣٥) ـ وذكره القرطبي في التفسير ٢ / ١٣١ ـ والسيوطي في الدر المنثور : ١ / ١٣٩ ، ٥ / ٢٠٧ ـ والهندي في كنز العمال حديث رقم ٣١٨٣٣ ، ٣١٨٣٤ ، ٣١٨٣٥ ، ٣١٨٨٩.