وفي قوله : (إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ) التفات ، إذ لو جاء على نسقه لقيل : إذ قلنا ؛ لأنه بعد (وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ) ، وعكسه في الخروج من الغيبة إلى الخطاب قوله : [البسيط]
٧٩٥ ـ باتت تشكّى إليّ النّفس مجهشة |
|
وقد حملتك سبعا بعد سبعينا (١) |
وقوله : (لِرَبِّ الْعالَمِينَ) فيه من الفخامة ما ليس في قوله «لك» أو «لربي» ، لأنه إذا اعترف بأنه ربّ جميع العالمين اعترف بأنه ربه وزيادة ، بخلاف الأول ، فلذلك عدل عن العبارتين.
وفي قوله : (أَسْلِمْ) حذف مفعول تقديره : أسلم لربك.
فصل في تحرير وقت قول الله تعالى لإبراهيم : أسلم
الأكثرون على أن الله تعالى إنما قال ذلك قبل النبوة وقبل البلوغ ، وذلك عند استدلاله بالكوكب والقمر والشمس ، واطّلاعه على أمارات الحدوث فيها ، فلما عرف ربه قال له تعالى : (أَسْلِمْ قالَ : أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ ؛) لأنه لا يجوز أن يقول له ذلك قبل أن يعرف ربه ، ويحتمل أيضا أن يكون قوله : (أَسْلِمْ) كان قبل الاستدلال ، فيكون المراد من هذا القول دلالة الدليل عليه [لا نفس القول] على حسب مذاهب العرب في هذا ، كقول الشاعر : [الرجز]
٧٩٦ ـ إمتلأ الحوض وقال : قطني |
|
مهلا رويدا قد ملأت بطني (٢) |
ويدل على ذلك قوله تعالى : (أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ) [الروم : ٣٥] فجعل دلالة البرهان كلاما.
وذهب بعضهم إلى أن هذا الأمر بعد النبوة ، واختلفوا في المراد منه.
فقال الكلبي والأصمّ : أخلص دينك ، وعبادتك لله تعالى.
وقال عطاء : أسلم نفسك إلى الله ، وفوّض أمورك إليه.
قال : أسلمت ، أي : فوضت.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : وقد تحقّق ذلك حيث لم يأخذ من الملائكة من ألقي في النار.
__________________
(١) البيت للبيد. ينظر ديوانه : ٣٥٢ ، البحر المحيط : ١ / ٥٦٦ ، الطبري : ١ / ٥٢ ، الأضداد (١١٧) ، الدر المصون : ١ / ٣٧٥.
(٢) ينظر إصلاح المنطق : ص ٥٧ ، ٣٤٢ ، الإنصاف : ص ١٣٠ ، وأمالي المرتضى : ٢ / ٣٠٩ ؛ وتخليص الشواهد : ص ١١١ ؛ وجواهر الأدب : ص ١٥١ ؛ والخصائص : ١ / ٢٣ ؛ ورصف المباني : ص ٣٦٢ ، وسمط اللآلي : ص ٤٧٥ ، وشرح الأشموني : ١ / ٥٧ ؛ وشرح المفصّل : ١ / ٨٢ ، ٢ / ١٣١ ، ٣ / ١٢٥ ؛ وكتاب اللامات : ص ١٤٠ ، ولسان العرب (قطط) ، (قطن) ؛ ومجالس ثعلب : ص ١٨٩ ؛ والمقاصد النحويّة : ١ / ٣٦١ ، الرازي : ٤ / ٧١ ، القرطبي : ٢ / ٢٣.