قال القرطبي : والإسلام هنا على أتم وجوهه ، فالإسلام في كلام العرب الخضوع والانقياد للمستسلم والله أعلم.
قوله تعالى : (وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(١٣٢)
قرىء (١) : «وصّى» ، وفيه معنى التكثير باعتبار المفعول الموصّى ، وأوصى رباعيا ، وهي قراءة نافع ، وابن عامر ، وكذلك هي في مصاحف «المدينة» و «الشام».
وقيل : أوصى ووصى بمعنى.
والضمير في «بها» فيه ستّة أقوال :
أحدها : أنه يعود على الملّة في قوله : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ) [البقرة : ١٣٠].
قال أبو حيان (٢) : «وبه ابتدأ الزمخشري ، ولم يذكر المهدوي غيره».
والزمخشري ـ رحمهالله ـ لم يذكر هذا ، وإنما ذكر عوده على قوله «أسلمت» لتأويله بالكلمة.
قال الزمخشري : والضمير في «بها» لقوله : «أسلمت لرب العالمين» على تأويل الكلمة والجملة ، ونحوه رجوع الضمير في قوله : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً) [الزخرف : ٢٨] إلى قوله : (إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي) [الزخرف : ٢٦ ـ ٢٧] وقوله : «كلمة باقية» دليل على أن التأنيث على معنى الكلمة. انتهى.
الثاني : أنه يعود على الكلمة المفهومة من قوله : (أَسْلَمْتُ) كما تقدم تقريره عن الزمخشري.
قال ابن عطية (٣) : «وهو أصوب لأنه أقرب مذكور».
الثالث : أنه يعود على متأخر ، وهو الكلمة المفهومة من قوله : (فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
الرابع : أنه يعود على كلمة الإخلاص ، وإن لم يبد لها ذكر قاله الكلبي ومقاتل.
الخامس : أنه يعود على الطّاعة للعلم بها أيضا.
السادس : أنه يعود على الوصيّة المدلول عليها بقوله : «ووصّى» ، و «بها» يتعلّق ب «وصّى» و «بنيه» مفعول به.
__________________
(١) قرأ نافع وابن عامر : «وأوصى» على «أفعل» ، وقرأ الباقون : «ووصّى» على «فعّل».
انظر السبعة : ١٧١ ، والكشف : ١ / ٢٦٥ ، وحجة القراءات : ١١٥ ، والحجة : ٢ / ٢٢٧ ، وشرح شعلة : ٢٧٧ ، وشرح الطيبة : ٤ / ٧١ ، ٧٢ ، والعنوان : ٧١ ، وإتحاف فضلاء البشر : ١ / ٤١٨.
(٢) ينظر البحر المحيط : ١ / ٥٧٠.
(٣) ينظر المحرر الوجيز : ١ / ٢١٣.