قوله : (فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا) هذا في الصورة عن الموت ، وهو في الحقيقة عن كونهم على خلاف حال الإسلام إذا ماتوا كقولك : «لا تصلّ إلا وأنت خاشع» ، فنهيك له ليس عن الصلاة ، إنما هو عن ترك الخشوع في حال صلاته ، والنّكتة في إدخال حرف النهي على الصلاة ، وهي غير منهي عنها هي إظهار أنّ الصلاة التي لا خشوع فيها كلا صلاة ، كأنه قال : أنهاك عنها إذا لم تصلّها على هذه الحالة ، وكذلك المعنى في الآية الكريمة إظهار أن موتهم لا على حال الثبات على الإسلام موت لا خير فيه ، وأن حقّ هذا الموت ألا يجعل فيهم. [وعن الفضيل بن عياض أنه قال : (إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ، أي : مسلمون الظن ، أي محسنون الظن بربكم ، وروي عن جابر قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول : «لا يموتن أحد إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى»](١). وأصل تموتن : تموتوننّ : النون الأولى علامة الرفع ، والثانية المشددة للتوكيد ، فاجتمع ثلاثة أمثال فحذفت نون الرفع ؛ لأن نون التوكيد أولى بالبقاء لدلالتها على معنى مستقلّ ، فالتقى ساكنان : الواو والنون الأولى المدغمة ، فحذفت الواو لالتقاء الساكنين ، وبقيت الضمة تدلّ عليها ، وهكذا كل ما جاء في نظائره.
قوله : (إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) هذا استثناء مفرغ من الأحوال العامة ، و (أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) مبتدأ وخبر في محلّ نصب على الحال ، كأنه قال تعالى : «لا تموتن على كل حال إلا على هذه الحال» ، والعامل فيها ما قبل إلا.
قوله تعالى : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)(١٣٣)
«أم» في أم هذه ثلاثة أقوال :
أحدها ـ وهو المشهور ـ : أنها منقطعة والمنقطعة تقدر ب «بل» ، وهمزة الاستفهام.
وبعضهم يقدرها ب «بل» وحدها ، ومعنى الإضراب انتقال من شيء إلى شيء لا إبطال.
ومعنى الاستفهام الإنكار والتوبيخ فيؤول معناه إلى النفي ، أي : بل أكنتم شهداء يعني لم تكونوا.
الثاني : أنها بمعنى همزة الاستفهام ، وهو قول ابن عطية والطبري ، إلا أنهما اختلفا في محلها.
فإن ابن عطية قال : و «أم» تكون بمعنى ألف الاستفهام في صدر الكلام ، لغة يمانية.
__________________
(١) سقط في ب.