و «الذكر» ـ بضم الذال وكسرها ـ بمعنى واحد ، ويكونان باللّسان والجنان.
وقال «الكسائي» : هو ـ بالكسر ـ للسان ، وبالضّم للقلب فضدّ المكسور : الصّمت ، وضد المضموم : النّسيان ، وبالجملة فالذكر الذي محلّه القلب ضدّه النسيان ، والذي محلّه اللسان ضده الصّمت ، سواء قيل : إنهما بمعنى واحد أم لا.
و «الذّكر» ـ بالفتح ـ خلاف الأنثى ، و «الذّكر» ـ أيضا ـ الشرف ومنه قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) [الزخرف : ٤٤].
فصل في النعمة
النعمة اسم لما ينعم به ، وهي شبيهة ب «فعل» بمعنى «مفعول» نحو : ذبح ورعي ، والمراد الجمع ؛ لأنها اسم جنس ، قال الله تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) [النحل : ١٨].
قال «أبو العباس المقرىء» : «النّعمة» ـ بالكسر ـ هي الإسلام ، قال تعالى : (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ) [آل عمران : ١٠٣].
وقال : (فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً) [الحجرات : ٨] يعني : الإسلام.
وقال : (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَ) [النمل : ١٩].
وقوله : (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ) [آل عمران : ١٧١] أي : الإسلام.
فصل في حد النعمة
قال ابن الخطيب (١) : حدّ النعمة أنها المنفعة المفعولة على جهة الإحسان إلى الغير.
وقيل : الحسنة المفعولة على جهة الإحسان إلى الغير ، قالوا : وإنما زدنا هذا ؛ لأن النعمة إن كانت حسنة يستحق بها الشكر ، وإن كانت قبيحة لم يستحق بها الشكر.
قال : والحقّ أن هذا القيد غير معتبر ؛ لأنه يجوز أن يستحق الشكر بالإحسان ، وإن كان فعله محظورا ؛ لأن جهة استحقاق الشكر غير جهة استحقاق الذّم والعقاب ، فأي امتناع في اجتماعهما؟ ألا ترى أن الفاسق يستحقّ الشكر بإنعامه والذّم بمعصيته ، فلم لا يجوز هاهنا أن يكون الأمر كذلك؟
واعلم أن نعم الله على العبد لا تتناهى ، ولا تحصى كما قال تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) [إبراهيم : ٣٠].
فإن قيل : فإذا كانت النعم غير متناهية ، وما لا يتناهى لا يحصل به العلم في حق العبد ، فكيف أمر بتذكرها في قوله : (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ)؟
__________________
(١) ينظر الفخر الرازي : ٣ / ٢٨.