حتى يموت ، فهذا الأصل ، ثم جعل كل قتل تغريقا ، ومنه قول ذي الرمة : [الطويل]
٤٨٥ ـ إذا غرّقت أرباضها ثني بكرة |
|
بتيهاء لم تصبح رءوما سلوبها (١) |
والأرباض : الحبال. والبكرة : النّاقة. وثنيها : بطنها الثّاني ، وإنما لم تعطف على ولدها لما لحقها من التعب.
قوله : (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) جملة من مبتدأ وخبر في محل نصب على الحال من (آلَ فِرْعَوْنَ) أي : وأنتم تنظرون إغراقكم ، والعامل «أغرقنا» ، ويجوز أن يكون حالا من مفعول «أنجيناكم».
والنّظر يحتمل أن يكون بالبصر ؛ لأنهم كانوا يبصرون بعضهم بعضا لقربهم ؛ وقيل : إن آل فرعون طغوا على الماء ، فنظروا إليهم. وأن يكون بالبصيرة والاعتبار.
وقيل المعنى : وأنتم بحال من ينظر لو نظرتم ، ولذلك لم يذكر له مفعول.
فصل في البحر الذي أغرق فيه فرعون وقومه
قال بعض المفسرين : والبحر الذي أغرق الله فيه فرعون وقومه هو «نيل مصر» ، وقيل : بحر «قلزم» طرف من بحر «فارس».
وقال قتادة : بحر من وراء «مصر» يقال له : «إسافة» واختلفوا هل تفرق البحر عرضا أو طولا؟
فقيل : إنه [تفرق](٢) عرضا وأن بني إسرائيل خرجوا إلى البرّ الذي كانوا فيه أولا. وهذا هو الظاهر وفيه جمع بين القولين ، فإنهم دخلوا فيه أولا عرضا ، ثم مشوا فيه طولا ، وخرجوا من برّ الطول ، وتبعهم فرعون فالتطم عليه البحر ، فغرق هو وجنوده ، وصار بنو إسرائيل في برّ الطول ، وإلا فأي من يقابل بر «القلزم» خرجوا إليه حتى ذهبوا إلى «الطّور».
ومن قال : إن البحر هو النيل فلا إشكال ؛ لأنهم كانوا في «مصر القديمة» ، وجاءوا إلى شاطىء النيل ، فانفرق لهم ، وخرجوا إلى برّ الشرق ، وذهبوا إلى «برية الطور».
فصل في نعم الله على موسى وقومه في تلك الواقعة
اعلم أن هذه الواقعة تضمّنت نعما كثيرة في الدنيا والدين في حقّ موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ وبني إسرائيل.
أما نعم الدنيا فهي أنهم لما وقعوا إلى ذلك المضيق ، ومن ورائهم فرعون وجنوده ،
__________________
(١) ينظر ديوانه : (١ / ٧٠١) ، إصلاح المنطق : (٧٢) ، القرطبي : ١ / ٣٨٩ ، والدر المصون : ١ / ٢٢٢.
(٢) في أ : الفرق المقابل لهم ، وقيل : لأنهم مشوا فيه ، وعلى هذا فيكون قد تفرّق ...