قوله تعالى : (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٥١) ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(٥٢)
قرأ أبو عمرو (١) ويعقوب : «وعدنا» هنا ، وما كان مثله ثلاثيا ، وقرأ الباقون : «واعدنا» بالألف ، واختار أبو عبيد قراءة أبي عمرو ، ورجّحها بأن المواعدة إنما تكون من البشر ، وأما الله عزوجل فهو المنفرد بالوعد والوعيد ، على هذا وجدنا القرآن نحو : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا ،وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِ) [إبراهيم : ٢٢] ، (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ) [الأنفال : ٧].
ورجحه مكّي فقال : وأيضا فإن ظاهر اللفظ فيه «وعد» من الله تعالى لموسى ، وليس فيه «وعد» من موسى ، فوجب حمله على الواحد ، بظاهر النص.
ثم ذكر جماعة جلّة من القراء عليها كالحسن ، وأبي رجاء ، وأبي جعفر ، وشيبة ، وعيسى بن عمر ، وقتادة ، وابن أبي إسحاق ، ورجّحه أبو حاتم أيضا بأن قراءة العامة عندنا «وعدنا» بغير ألف ؛ لأن المواعدة أكثر ما تكون بين المخلوقين والمتكافئين.
وقد أجاب الناس عن قول أبي عبيد ، وأبي حاتم ، ومكي بأن «المفاعلة» ـ هنا ـ صحيحة ، بمعنى أن موسى نزل قبوله لالتزام الوفاء بمنزلة الوعد منه ، أو أنه وعد أن يفي بما كلفه ربه.
وقال القفال : «ولا يبعد أن يكون الآدمي يعد الله ـ تعالى ـ ويكون معناه يعاهد الله
__________________
ـ على شريعة العقل. قال ابن القشيري : وهذا باطل ؛ إذ ليس للعقل شريعة ، وذهبت عصبة أهل الحق إلى أنه لم يقع ، ولكنه ممتنع عقلا. قال القاضي : وهذا نرتضيه وننصره ؛ لأنه لو كان على دين لنقل ، ولذكره ـ عليهالسلام ـ ؛ إذ لا يظن به الكتمان ، وعارض ذلك إمام الحرمين وقال : لو لم يكن على دين أصلا لنقل ؛ فإن ذلك أبعد عن المعتاد مما ذكره القاضي (قال) : فقد تعارض الأمران ، والوجه أن يقال : كانت العادة انخرقت في أمور الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، منها : انصراف همّ الناس عن أمر دينه ، والبحث عنه.
والمذهب الثالث : التوقف. وبه قال إمام الحرمين ، وابن القشيري ، والكيا ، والآمدي ، والشريف المرتضى في «الذريعة» ، واختاره النووي في «الروضة» ؛ إذ ليس فيه دلالة عقل ، ولا ثبت فيه نص ولا إجماع. وقال ابن القشيري في «المرشد» : كل هذه أقوال متعارضة ، وليس فيها دلالة قاطعة ، والعقل يجوّز ذلك ، لكن أين السمع فيه؟! ثم الواقفية انقسموا : فقيل : نعلم أنه كان متعبدا ونتوقف في عين ما كان متعبدا به ، ومنهم من توقف في الأصل ؛ فجوز أن يكون وألا يكون.
ينظر البحر المحيط للزركشي : ٦ / ٣٩ ، التمهيد للأسنوي : ٤٤١ ، المنخول للغزالي : ٢٣١ ، تخريج الفروع على الأصول للزنجاني : ٣٦٩ ، الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم : ٥ / ١٤٩ ، إرشاد الفحول للشوكاني : ٢٣٩.
(١) وبها قرأ أبو جعفر ، ووافقه اليزيدي وابن محيصن.
انظر شرح الطيبة : ٤ / ٢٣ ـ ٢٤ ، وحجة القراءات : ٩٦ ، والعنوان : ٦٩ ، والحجة للقراء السبعة : ١ / ٥٦ ، وإتحاف فضلاء البشر : ١ / ٣٩١ ، وشرح شعلة : ٢٦١.