والجواب : أنها غير متناهية بحسب الأشخاص والأنواع ، إلّا أنها متناهية بحسب الأجناس ، وذلك يكفي في التذكّر الذي يفيد العلم بوجود الصّانع الحكيم.
فصل في بيان هل لله نعمة على الكافر في الدنيا
اختلفوا في أنه هل لله نعمة على الكافر في الدنيا؟
فمنهم من قال : هذه النعم القليلة في الدنيا لما كانت مؤدّية إلى الضرر في الآخرة لم تكن نعمة ، فإن من جعل السّم في الحلوى لم يعد النفع الحاصل من أكل الحلوى نعمة لما كان ذلك سبيلا إلى الضرر العظيم ، ولهذا قال تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) [آل عمران : ١٧٨].
ومنهم من قال : إنه ـ تعالى ـ وإن لم ينعم على الكافر بنعمة الدّين ، فلقد أنعم عليه بنعمة الدنيا [وهو قول القاضي أبي بكر الباقلاني رحمهالله](١).
قال ابن الخطيب (٢) : وهذا القول أصوب ويدلّ عليه وجوه :
أحدها : قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ) [البقرة : ٢١] الآيات فأمر الكلّ بطاعته لمكان هذه النعم ، وهي نعمة الخلق والرزق.
وثانيها : قوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) [البقرة : ٢٨] وذكره في معرض الامتنان ، وشرح النعم ، ولو لم يصل إليهم من الله ـ تعالى ـ شيء من النعم لما صحّ ذلك.
وثالثها : قوله : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) وهذا نصّ صريح ؛ لأنه خطاب لأهل الكتاب ، وكانوا من الكفار ، وكذا قوله تعالى : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) [البقرة : ٤٧] إلى قوله : (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) [البقرة : ٤٩].
ورابعها : قوله تعالى : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ) إلى قوله : (وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً) [الأنعام : ٦].
وخامسها : قوله تعالى : (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) [الأنعام : ٦٣] إلى قوله : (ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ) [الأنعام : ٦٤].
وسادسها : قوله تعالى : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) [الأعراف : ١٠] وقال في قصة «إبليس» : (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) [الأعراف : ١٧].
وسابعها : قوله : (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ) [الأعراف : ٧٤] وقال : (أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) [الأعراف : ١٤٠].
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) ينظر الفخر الرازي : ٣ / ٣٠.