الشهور ، والأيام تبع لها ، وأيضا فليس المراد انقضاء أي أربعين كان ، بل أربعين معينا وقيل : لأن الظلمة سابقة على النّور ، فهي الأصل يؤيده قوله تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) [يس : ٣٧].
فصل في معنى أربعين ليلة
قوله : (أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) معناه : واعدنا موسى انقضاء أربعين ليلة كقولهم : «اليوم أربعون يوما منذ خرج فلان» أي : تمام الأربعين ، والحاصل أنه حذف المضاف ، وأقام المضاف إليه مقامه كقوله : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] وأيضا فليس المراد انقضاء أي أربعين كان ، بل أربعين معينا ، وهو الثلاثون من ذي القعدة ، والعشر الأول من ذي الحجّة ؛ لأن موسى عليهالسلام كان عالما بأن المراد هو هذه الأربعون ، وكان ذلك بعد أن جاوز البحر.
قال ابن الخطيب : ويحتمل أن يكون المراد أنه وعد قبل هذه الأربعين أن يجيء إلى الجبل بعد انقضاء هذه الأربعين.
قال : وهذا الاحتمال هو المؤيّد بالأخبار. فإن قيل : قوله ـ هاهنا ـ : (أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) يفيد أن المواعدة كانت من أول الأمر على الأربعين.
وقوله في الأعراف : (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) [الأعراف : ١٤٢] يفيد أن المواعدة كانت في أول الأمر على الثلاثين ، فكيف التوفيق بينهما؟ أجاب الحسن البصري فقال : ليس المراد أن وعده كان ثلاثين ليلة ، ثم بعد ذلك وعده بعشر ، لكنه وعده أربعين ليلة جميعا ، وهو كقوله : (ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) [البقرة : ١٩٦].
قوله : (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ) «اتّخذ» يتعدّى لاثنين ، والمفعول الثاني محذوف أي : اتخذتم العجل إلها ، وقد يتعدّى لمفعول واحد إذا كان معناه «عمل» و «جعل» نحو : (وَقالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) [البقرة : ١١٦].
وقال بعضهم : «تخذ» و «اتّخذ» يتعدّيان لاثنين ما لم يفهما كسبا ، فيتعديان لواحد ، واختلف في «اتّخذ» فقيل : هو «افتعل» من الأخذ ، والأصل : «ائتخذ» الأولى همزة وصل ، والثانية فاء الكلمة ، فاجتمع همزتان ثانيتهما ساكنة بعد أخرى ، فوجب قلبها ياء ك «إيمان» فوقعت الياء فاء قبل تاء الافتعال ، فأبدلت تاء ، وأدغمت في تاء الافتعال ك «اتّسر» من «اليسر» ، إلا أن هذا قليل في باب الهمز ؛ نحو : «اتّكل» من «الأكل» ، و «اتّزر» من «الإزار» ؛ وقال أبو عليّ : هو «افتعل» من تخذ يتخذ ؛ وأنشد : [الطويل]
٤٨٧ ـ وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها |
|
نسيفا كأفحوص القطاة المطرّق (١) |
__________________
(١) البيت للممزق العبدي ينظر لسان العرب (مخص) ، (نسف) ، (طرق) ، والمقاصد النحوية : ٤ / ٥٩٠ ، ـ