معناه : أن العافي هنا ما يبقى في القدر من المرق ونحوه ، فإذا أراد أحد أن يستعير القدر يعلّل صاحبها بالعافي الذي فيها ، فالعافي فاعل ، ومن يستعيرها مفعول ، وهو من الإسناد المجازي ؛ لأن الرّاد في الحقيقة صاحب القدر بسبب العافي.
فصل في تفسير المعتزلة للعفو في الآية
قالت المعتزلة : «المراد ثم عفونا عنكم بسبب إتيانكم بالتّوبة ، وهي قتل بعضكم بعضا».
قالت ابن الخطيب (١) : وهذا ضعيف من وجهين :
الأول : أن قبول التوبة واجب عقلا ، ولو كان المراد ذلك لما جاز عدّه في معرض الإنعام ، لأن أداء الواجب لا يعدّ من باب الإنعام ، والمقصود من هذه الآيات تعديد نعم الله ـ تعالى ـ عليهم.
الثاني : أن العفو اسم لإسقاط العقاب المستحقّ ؛ وأمّا إسقاط ما يجب إسقاطه ، وذلك لا يسمّى عفوا ، ألا ترى أن الظالم لما لم يجز له تعذيب المظلوم ، فإذا ترك عذابه لم يكن الترك عفوا ، فكذلك هاهنا.
إذا ثبت هذا فنقول : لا شكّ في حصول التوبة في هذه الصورة لقوله تعالى : (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) وإذا كان كذلك دلّت الآية على أن قبول التوبة غير واجب عقلا ، وإذا ثبت ذلك ثبت أيضا أنه ـ تعالى ـ أسقط عقوبة من يجوز عقابه عقلا ، وشرعا ، وذلك أيضا خلاف قول المعتزلة ، وإذا ثبت أنه عفا عن كفّار قوم موسى ، فلأن يعفو عن فسّاق أمة محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ مع أنهم خير أمة أخرجت للنّاس كان أولى.
قوله : (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
(تَشْكُرُونَ) في محل رفع خبر «لعلّ» ، وقد تقدّم تفسير الشكر عند ذكر الحمد.
وقال الراغب (٢) : هو تصور النعمة وإظهارها.
وقيل : هو مقلوب عن الكشر أي : الكشف ، وهو ضدّ الكفر ، فإنه تغطية النعمة وقيل: أصله من «عين شكرى» أي : ممتلئة ، فهو على هذا الامتلاء من ذكر المنعم عليه.
و «شكر» من الأفعال المتعدّية بنفسها تارة ، وبحرف الجرّ أخرى ، وليس أحدهما أصلا للآخر على الصحيح ، فمن المتعدّي بنفسه قول عمرو بن لحيّ (٣) : [الطويل]
__________________
(١) ينظر الفخر الرازي : ٣ / ٧٢.
(٢) ينظر المفردات : ٢٧٢.
(٣) عمرو بن يحيى بن حارثة بن عمرو بن عامر الأزدي من قحطان. أول من غير دين إسماعيل ودعا العرب إلى عبادة الأوثان كنيته أبو ثمامة وفي نسبه خلاف شديد ، وفي العلماء من يجزم بأنه مصري من عدنان لحديث انفرد به أبو هريرة. وهو جد «خزاعة» عند كثير من النسابين ورئيسها عند بعضهم ، ومعظمهم يسميه عمرو بن عامر بن يحيى ، ويقولون إنه نسب إلى جده وفيهم من يسميه عمرو بن ربيعة ويجعل لحيا لقبا لربيعة. ـ