[الأنبياء : ٤٨]. وقال قطرب وزيد : «الفرقان انفراق البحر له».
فإن قلت : هذا مذكور في قوله : (وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ) وأيضا قوله بعد ذلك : (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) لا يليق إلّا بالكتاب ؛ لأن ذلك لا يذكر إلا عقيب الهدى ، فالجواب عن الأول أنه تعالى لم يبين في قوله : (وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ) أن ذلك كان لأجل موسى ـ عليهالسلام ـ وفي هذه الآية بيّن ذلك بالتنصيص.
وعن الثاني : أن فرق البحر كان من الدّلائل فلعلّ المراد : آتينا موسى الكتاب ليستدلّوا بذلك على وجود الصانع ، وصدق موسى عليهالسلام ، وذلك هو الهداية ، وأيضا فالهدى قد يراد به الفوز والنّجاة ولم يرد به الدلالة ، فكأنه ـ تعالى ـ بيّن أنه أتاهم الكتاب نعمة من الدين والفرقان الذي جعل به نجاتهم من الخصم نعمة عاجلة.
وقيل : الفرقان : الفرج من الكرب ؛ لأنهم كانوا مستعبدين مع القبط ، (إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) [الأنفال : ٢٩] أي : فرجا ومخرجا وقيل : الحجّة والبيان ، قاله ابن بحر.
وقيل : الفرقان الفرق بينهم وبين قوم فرعون ، أنجى هؤلاء ، وغرق أولئك ، ونظيره يوم الفرقان ، فقيل يعني به يوم بدر.
فصل في الرد على المعتزلة
استدلت المعتزلة بقوله : (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) على أن الله أراد الاهتداء من الكلّ ، وذلك يبطل قول من يقول : أراد الكفر من الكافر. وأيضا إذا كان هداهم أنه ـ تعالى ـ لم يخلق الاهتداء ممن يهتدي ، والضلال ممن يضل ، فما الفائدة في إنزال الكتاب والفرقان ، ولقوله : (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) ومعلوم أن الاهتداء إذا كان يخلقه ، فلا تأثير لإنزال الكتب فيه لو كان الاهتداء [ولا كتاب لحصل](١) الاهتداء ، ولو أنزل الكتاب ، ولم يخلق الاهتداء فيهم لما حصل الاهتداء ، فكيف يجوز أن يقول : أنزلت [الكتاب](٢) لكي تهتدوا؟ وقد تقدّم مثل [هذا](٣) الكلام.
قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)(٥٤)
«يا قوم» اعلم أن في المنادى المضاف إلى ياء المتكلم ستّ لغات.
أفصحها : حذفها مجتزئا عنها بالكسرة ، وهي لغة القرآن.
__________________
(١) في أ : والكتاب يحصل.
(٢) سقط في أ.
(٣) في ب : ذلك.