وثامنها : قوله : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ) [الأنفال : ٥٣].
وتاسعها : قوله : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِ) [يونس : ٥].
وعاشرها : قوله : (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ) [يونس : ٢٢] إلى قوله : (يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ) [يونس : ٢٣].
واعلم أن الخلاف في هذه المسألة لفظي ؛ لأنه لا نزاع في أن الحياة والعقل والسمع والبصر ، وأنواع الرزق ، والمنافع من الله ـ تعالى ـ إنما الخلاف في أن أمثال هذه المنافع إذا حصل عقيبها تلك المضارّ الأبدية ، هل يطلق عليها في العرف اسم النعمة أم لا؟ ومعلوم أن ذلك نزاع في مجرّد عبارة.
فصل في النعم المخصوصة ببني إسرائيل
وهي كثيرة منها :
استنقذهم من فرعون وقومه ، وخلّصهم من العبودية وأولادهم من القتل ونساءهم من الاستحياء ، وخلصهم من البلاء ، ومكنهم في الأرض ، وجعلهم ملوكا ، وجعلهم الوارثين بعد أن كانوا عبيدا للقبط ، وأهلك أعداءهم وأورثهم أرضهم وديارهم ، وأموالهم ، وأنزل عليهم [الكتب العظيمة ، وجعل فيهم أنبياء ، وآتاهم ما لم يؤت أحدا من العالمين ، وظللّ عليهم الغمام ، وأنزل عليهم](١) المنّ والسّلوى ، وأعطاهم الحجر ليسقيهم ما شاءوا من الماء متى أرادوا ، فإذا استغنوا عن الماء رفعوها فاحتبس الماء عنهم ، وأعطاهم عمودا من النور يضيء لهم بالليل ، وكانت رؤوسهم لا تتشعّث وثيابهم لا تبلى. رواه «ابن عباس».
فصل في سبب تذكيرهم بهذه النعم
قال ابن الخطيب (٢) : إنما ذكرهم بهذه النعم لوجوه :
أحدها : أن في جملة النعم ما يشهد بصدق محمد صلىاللهعليهوسلم وهي التوراة ، والإنجيل ، والزّبور.
وثانيها : أن كثرة النعم توجب عظم المعصية ، فذكرهم تلك النعم لكي يحذروا مخالفة ما دعوا إليها من الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم وبالقرآن.
وثالثها : أن تذكّر النعم الكثيرة يفيد الحياء عن إظهار المخالفة.
ورابعها : أن تذكر النعم الكثيرة يفيد أن المنعم خصّهم من بين سائر الناس بها ، ومن خص أحدا بنعم كثيرة ، فالظاهر أن تذكر تلك النعم يطمع في النّعم الآتية ، وذلك الطمع مانع من إظهار المخالفة والمخاصمة.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) ينظر الفخر الرازي : ٣ / ٣٢.