و «الجهر» : ضد السّرّ ، وهو الكشف والظهور ، ومنه : جهر بالقراءة أي : أظهرها. قال الزمخشري : «كأن الّذي يرى بالعين جاهر بالرّؤية ، والذي يرى بالقلب مخافت بها».
قوله : (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) قرأ عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم «الصّعقة» بغير ألف ، وقرأ الباقون بالألف ، وهما لغتان.
فصل في زمان هذه الواقعة
قال محمد بن إسحاق : هذه الواقعة قبل تكليفهم بالقتل لما رجع موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ من الطّور ، فرأى ما هم عليه من عبادة العجل ، وقال لأخيه والسامري ما قال ، وحرق العجل ، وألقاه في البحر ، واختار من قومه سبعين رجلا ، فلما خرجوا إلى الطور قالوا لموسى : [أرنا ربك حتى](١) يسمعنا كلامه ، فسأل موسى عليه الصلاة والسلام فأجاب الله إليه ، ولما دنا من الجبل وقع عليه عمود من الغمام ، وتغشّى الجبل كله ، ودنا من موسى ذلك الغمام ، فدخل فيه فقال للقوم : ادخلوا وادعوا ، وكان موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ متى كلمه ربه أوقع على جبهته نورا ساطعا لا يستطيع أحد من بني آدم النظر إليه ، وسمع القوم كلام الله ـ تعالى ـ مع موسى يقول له : افعل ولا تفعل ، فلما تم الكلام انكشف عن موسى الغمام الذي دخل فيه ، فقال القوم بعد ذلك : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) فماتوا جميعا ، وقام موسى رافعا يديه إلى السماء يدعو ، ويقول : يا إلهي اخترت من بني إسرائيل سبعين رجلا ليكونوا شهودي بقبول توبتهم ، فأرجع إليهم ، وليس معي منهم واحد ، فما الذي يقولون لي؟ فلم يزل موسى مشتغلا بالدعاء حتى ردّ الله عليهم أرواحهم ، وطلب توبة بني إسرائيل من عبادة العجل فقال : «لا ، إلّا أن يقتلوا أنفسهم» (٢).
وقال «السّدي» : لما تاب بنو إسرائيل من عبادة العجل بأن قتلوا أنفسهم أمر الله ـ تعالى ـ أن يأتيهم موسى في ناس من بني إسرائيل يعتذرون من عبادتهم العجل ، فاختار موسى سبعين رجلا ، فلما أتوا الطور قالوا : لن نؤمن لك حتّى نرى الله جهرة ، فأخذتهم الصاعقة ، وماتوا ، فقام موسى يبكي ويقول : يا رب ماذا أقول لبني إسرائيل ، فإني أمرتهم بالقتل ، ثم اخترت من أنفسهم هؤلاء ، فإذا رجعت إليهم ، وليس معي منهم أحد فماذا أقول لهم؟ فأحياهم الله ـ تعالى ـ فقاموا ، ونظر كل واحد منهم إلى الآخر [كيف يحييه الله تعالى](٣).
__________________
(١) في ب : سهل ربك.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٢ / ٧٧) وفي تاريخه (١ / ٢٢١) وذكره ابن كثير في «تفسيره» (١ / ١٧٠) عن ابن إسحاق.
(٣) سقط في ب.