٥٠٦ ـ وصحابة شمّ الأنوف بعثتهم |
|
ليلا وقد مال الكرى بطلاها (١) |
وقيل : (بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ) علّمناكم من بعد جهلكم.
فصل في اختلافهم في تكليف من بعث بعد موته
قال الماورديّ : اختلف في بقاء تكليف من أعيد بعد موته ، ومعاينة الأحوال المضطرة إلى المعرفة على قولين :
أحدهما : بقاء تكليفهم لئلا يخلو عاقل من تعبد.
الثاني : سقوط تكليفهم معتبرا بالاستدلال دون الاضطرار.
والأول أصحّ ، لقوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ،) ولفظ : الشكر يتناول جميع الطاعات ، لقوله تعالى : (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) [سبأ : ١٣].
فإن قيل : كيف يجوز أن يكلفهم وقد أماتهم ، ولو جاز ذلك جاز تكليف أهل الآخرة بعد البعث؟
فالجواب : أنّ الذي منع من تكليف أهل الآخرة ليس هو الإماتة ثم الإحياء ، وإنما المانع كونه اضطرهم يوم القيامة إلى معرفته ، وإلى معرفة لذّات الجنّة ، وآلام النّار ، وبعد العلم الضروري لا تكليف ، وإذا كان كذلك ، فيكون موت هؤلاء بمنزلة النّوم والإغماء.
قوله تعالى : (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(٥٧)
هذا هو الإنعام السابع المذكور في سورة «الأعراف» ، وظاهر هذه الآية يدلّ على أن هذا الإظلال كان بعد البعث ، لأنه ـ تعالى ـ قال : (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة : ٥٦] ، (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ) أي : وجعلنا الغمام يظلكم ، وذلك في التّيه سخر الله ـ تعالى ـ لهم السحاب يظلّهم من الشمس ، ونزل عليهم المنّ (٢) وهو «التّرنجبين» بالتاء والراء ـ من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس لكل إنسان صاع.
وقال «مجاهد» : هو شيء كالصمغ كان يقع على الأشجار طعمه كالشّهد (٣).
وقال «وهب» (٤) : خبز الرقاق (٥). وقال «السدي» : عسل كان يقع على الشجر من الليل (٦).
__________________
(١) البيت لعنترة. ينظر ديوانه : ٧٥ ، الجامع لأحكام القرآن : ١ / ٢٧٥.
(٢) زاد في أ : والسلوى.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٢ / ٩١) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ١٣٧) وزاد نسبته لوكيع وعبد بن حميد وابن أبي حاتم.
(٤) في أ : مرّة.
(٥) أخرجه الطبري (٢ / ٩٢) وعزاه السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ١٣٧) لعبد بن حميد وابن أبي حاتم.
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس كما في «الدر المنثور» (١ / ١٣٧).