وقوله : (كانُوا) وكانت هذه عادتهم كقولك : «كان حاتم كريما».
قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (٥٨) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ)(٥٩)
هذا هو الإنعام الثّامن ، وحذفت الألف من «قلنا» لسكونها ، وسكون الدال بعدها ، والألف التي يبتدأ بها قبل الدّال ألف وصل ؛ لأنه من يدخل.
قوله : (هذِهِ الْقَرْيَةَ).
هذه منصوبة عند سيبويه (١) على الظرف ، وعند الأخفش على المفعول به ، وذلك أنّ كل ظرف مكان مختصّ لا يتعدّى إليه الفعل إلّا ب «في» ، تقول : صلّيت في البيت ولا تقول : صلّيت البيت إلّا ما استثني.
ومن جملة ما استثني «دخل» مع كل مكان مختصّ ، نحو : «دخلت البيت والسّوق» ، وهذا مذهب سيبويه وقال الأخفش : الواقع بعد «دخلت» مفعول به كالواقع بعد «هدمت» كقولك : «هدمت البيت» فلو جاء «دخل» مع الظرف تعدّى ب «في» نحو : «دخلت في الأمر» ولا تقول : «دخلت الأمر» ، وكذا لو جاء الظرف المختصّ مع غير «دخل» تعدّى ب «في» إلا ما شذّ ؛ كقوله : [الطويل]
٥١٠ ـ جزى الله [ربّ النّاس خير جزائه] (٢) |
|
رفيقين قالا خيمتي أمّ معبد (٣) |
و «القرية» «المدينة» ، وهي نعت ل «هذه» ، أو عطف بيان كما تقدم ، والقرية مشتقّة من قريت أي : جمعت ، تقول : قريت الماء في الحوض ، أي : جمعته ، واسم ذلك الماء قرى ـ بكسر القاف ـ و «المقراة» للحوض ، وجمعها (٤) «مقار» ، قال : [الطويل]
٥١١ ـ عظام المقاري ضيفهم لا يفزّع |
|
.......... (٥) |
و «القريان» : اسم لمجتمع الماء ، و «القرية» في الأصل اسم للمكان الذي يجتمع فيه القوم ، وقد يطلق عليهم مجازا ، وقوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] يحتمل الوجهين.
__________________
(١) ينظر الكتاب : ١ / ١٥.
(٢) في أ : بالخيرات ما فعل بكم ، وهو صدر بيت آخر.
(٣) قيل هذا البيت لرجل من الجن ، سمعوا ب «مكة» صوته ولم يروا شخصه. انظر الهمع : (١ / ٢٠٠) ، الشذور : (٢٣٥) ، الدرر : (١ / ١٦٩) ، تعليق الفرائد : (١ / ١٦١٢) ، مشاهد الإنصاف : (٢ / ١٤٦).
(٤) في ب : والجمع.
(٥) ينظر شواهد القرطبي : ١ / ٢٧٨ ، الدر : ١ / ٢٣٢.