وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس : أنّ المراد به الركوع ، لأنّ الباب كان صغيرا يحتاج الدّاخل فيه إلى الانحناء (١).
قال ابن الخطيب : وهذا بعيد ؛ لأنه لو كان ضيقا لكانوا مضطرين إلى دخوله ركّعا ، فلا حاجة فيه إلى الأمر.
وأجيب بأنه روي عن ابن عبّاس : أنهم دخلوا يزحفون على أستاههم.
وقيل : المراد بالسجود : الخضوع. وهو الأقرب ؛ لأنه لما تعذّر حمله على السجود الحقيقي وجب حمله على التواضع ؛ لأن التّائب عن الذنب لا بدّ وأن يكون خاضعا.
فصل في تفسير «الحطة»
وأما تفسير «الحطّة» فقال «القاضي» : إنه ـ تعالى ـ لما أمرهم بدخول الباب خاضعين أمرهم بأن يقولوا ما يدلّ على التوبة ؛ لأن التوبة صفة القلب ، فلا يطلع الغير عليها ، فإذا اشتهر واحد بذنب ، أو بمذهب خطأ ، ثم تاب عن الذنب ، أو أظهر له الحق ، فإنه يلزم أن يعرف إخوانه الّذين عرفوا منه ذلك الذنب ، أو ذلك المذهب ، فتزول عنه التّهمة في الثبات على الباطل ، ويعودوا إلى موالاته ، فالحاصل أنه أمر القوم أن يدخلوا الباب على وجه الخضوع ، وأن يذكروا بلسانهم التماس حطّ الذنوب حتى يكونوا جامعين بين ندم القلب ، وخضوع الجوارح ، والاستغفار باللّسان.
وقال «الأصمّ» : هذه اللّفظة من ألفاظ أهل الكتاب التي لا يعرف معناها في العربية.
وقال أبو مسلم الأصفهاني : معناه : أمرنا حطّة ، أي : أن نحطّ في هذه القرية ، ونستقر فيها ، ورد القاضي ذلك ، وقال : لو كان المراد ذلك لم يكن غفران خطاياهم متعلقا به ، ولكن قوله : (وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ) يدلّ على أن غفران الخطايا كان لأجل قولهم حطّة ، ويمكن أن يجاب عنه بأنهم لما حطّوا في تلك القرية حتى يدخلوا سجدّا مع التّواضع كان الغفران متعلقا به.
وقال معناه : اللهم حط عنا ذنوبنا ، فإنّا إنما انحططنا لوجهك ، وإرادة التذلل لك ، فحطّ عنا ذنوبنا.
فصل في بيان التلفظ بالحطة أو بمعناها
اختلفوا هل كلّفوا بهذه اللفظة بعينها ، أو بما يؤدي معناها؟
روي عن ابن عباس : أنهم أمروا بهذه اللفظة بعينها ، وفيه نظر ؛ لأن هذه اللفظة
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٢ / ١٠٤) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ١٣٨) وزاد نسبته لوكيع والفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس.