احتجّ الأوّلون بقوله عليه [أفضل] الصّلاة والسّلام ـ «إنّ الله كتب عليكم السّعي ، فاسعوا» (١).
فإن قيل : هذا متروك الظّاهر ، لأنّه يقتضي وجوب السّعي ، وهو العدو ، وذلك غير واجب (٢).
قلنا : لا نسلّم أنّ السّعي عبارة عن العدو ؛ [بدليل قوله تعالى : (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) [الجمعة : ٩] والعدو فيه غير واجب](٣) وقال ـ تبارك وتعالى ـ : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) [النجم : ٣٩] وليس المراد منه العدو ، بل الجدّ ، والاجتهاد ، سلّمنا أنه العدو ، ولكنّ العدو مشتمل على صفة ترك العمل به في هذا الصّفات ، فيبقى أصل المشي واجبا.
واحتجّوا أيضا : بأنّه ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ لما دنا من الصّفا ، قال : «إنّ الصّفا والمروة من شعائر الله ، ابدءوا بما بدأ الله به» فبدأ بالصّفا فرقي عليه ، ثم سعى ، وقالصلىاللهعليهوسلم : «خذوا عنّي مناسككم» (٤) ، وقال تعالى : (وَاتَّبِعُوهُ) [الأعراف : ١٥٨] وقال تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب : ٢١] وقالوا : إنه أشواط شرعت في بقعة من بقاع الحرم ويؤتى به في إحرام كامل ، فكان جنسها ركنا ؛ كطواف الزّيارة ، ولا يلزم طواف الصّدر ، لأنّ الكلام للجنس ؛ لوجوبه مرة.
واحتجّ أبو حنيفة ـ رضي الله عنه ـ بوجوه :
منها : قوله تعالى : «لا (جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) وهذا لا يقال في الواجبات ، وأكّد ذلك بقوله : «ومن تطوّع» فبيّن أنه تطوّع وليس بواجب.
ومنها : [قوله] : «الحجّ عرفة فمن أدرك عرفة ، فقد تمّ حجّة» (٥) ، وهذا يقتضي التمام
__________________
(١) أخرجه أحمد (٦ / ٤٢٢) والطبراني في «الكبير» (١١ / ١٨٣) والحديث ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» وعزاه أيضا للطبراني في «الأوسط» وقال : وفيه المفضل بن صدقة وهو ضعيف.
والحديث ذكره المتقي الهندي في «كنز العمال» (١٢٠٤٢) وعزاه للطبراني عن ابن عباس.
وأخرجه البيهقي (٥ / ٩٨) والطبراني كما في «المجمع» (٣ / ١٤٨) وقال : وفيه المثنى بن الصباح وقد وثقه بن معين في رواية وضعفه جماعة.
(٢) هذه العبارة وردت هكذا في أ :
عبارة عن العدو ؛ بدليل قوله : (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) وهو العدو ، وذلك غير واجب فالجواب : لا نسلّم أن السّعي عبارة عن العدو ، وهو غير واجب.
(٣) سقط في ب.
(٤) أخرجه أحمد (٣ / ٣١٨) وابن خزيمة (٢٨٧٧) والبيهقي (٥ / ١٢٥) وابن عبد البر في التمهيد (٢ / ٦٩ ، ٩١ ، ٩٨) و (٤ / ٣٣٣) و (٥ / ١١٧) و (٨٧ / ٢٧٢) وأبو نعيم في «الحلية» (٧ / ٢٢٦).
وانظر نصب الراية (٣ / ٥٥) وفتح الباري (١ / ٢١٧) والإتحاف (٤ / ٤٣٧).
(٥) أخرجه الترمذي (٨٨٩) وأبو داود (١٩٤٩) والنسائي (٥ / ٢٦٤) والحاكم (١ / ٤٦٤) وابن خزيمة (٢٨٢٢) والبيهقي (٥ / ١١٦) والحميدي (٢ / ٣٩٩) وأحمد (٤ / ٣٠٩ ـ ٣١٠) وابن ماجه (٣٠١٥) ـ