أحدهما : أنه كلام مستأنف يتناول كلّ من كتم شيئا من الدين.
الثاني : عن ابن عبّاس ، ومجاهد ، والحسن ، وقتادة ، والرّبيع ، والسّدّيّ ، والأصمّ : أنها نزلت في أهل الكتاب من اليهود والنّصارى (١).
الثالث : نزلت في اليهود والّذين كتموا ما في التّوراة من صفة محمد ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ (٢).
قال ابن الخطيب : والأوّل أقرب إلى الصّواب ؛ لوجوه (٣) :
الأوّل : أن اللفظ عامّ ، وثبت في «أصول الفقه» أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السّبب.
الثاني : ثبت أيضا في «أصول الفقه» أن العبرة بعموم اللّفظ ، وأن ترتيب الحكم على الوصف المناسب [مشعر بالعلّيّة](٤) ، وكتمان الدّين يناسب استحقاق اللّعن ؛ فوجب عموم الحكم عند عموم الوصف.
الثالث : أن جماعة من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ حملوا هذا اللّفظ على العموم ؛ كما روي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت : «من زعم أنّ محمّدا صلىاللهعليهوسلم كتم شيئا من الوحي ، فقد أعظم الفرية على الله تعالى» ، والله تعالى يقول : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى) [البقرة : ١٥٩]» فحملت الآية على العموم.
وعن أبي هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال [لو لا آية](٥) من كتاب الله ، ما حدّثت حديثا بعد أن قال النّاس : أكثر أبو هريرة ، وتلا : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ)(٦).
احتجّ من خصّ الآية بأهل الكتاب : أنّ الكتمان لا يصحّ إلّا منهم في شرع نبوّة محمّد ـ صلوات الله ، وسلامه عليه ـ وأمّا القرآن ، فإنّه متواتر ، فلا يصحّ كتمانه.
والجواب : أنّ القرآن الكريم قبل صيرورته متواترا يصحّ كتمانه ، والكلام إنّما هو فيما يحتاج المكلّف إليه.
__________________
(١) أخرج هذه الآثار الطبري في «التفسير» (٣ / ٢٥٠) ، وذكر طرفا منها السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٢٩٥).
(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٢٩٥) ، وعزاه لابن سعد وعبد بن حميد عن قتادة.
(٣) ينظر تفسير الفخر الرازي : ٤ / ١٤٧.
(٤) في ب : يشعر بالقلب.
(٥) في أ : لو آيتان.
(٦) أخرجه البخاري (١ / ١٩٠ ـ ١٩١) ، (٥ / ٢١) والحاكم (٢ / ٢٧١) والطبري (٣ / ٢٥٢) وأحمد (٧٦٩١ ـ شاكر) وابن سعد (٢ / ٢ / ١١٨).
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٢٩٧) ، وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.