الأول : على سبيل المبالغة ، وهي أنّها لو كانت [عاقلة](١) ، لكانت تلعنهم.
الثاني : أنها في الآخرة ، إذا أعيدت ، وجعلت من العقلاء فإنّها تلعن من فعل ذلك في الدّنيا ، ومات عليه.
وقيل : إنّ أهل النّار يلعنونهم وقيل يلعنهم الإنس والجنّ (٢).
وقال ابن مسعود ـ رضي الله تعالى عنه ـ : ما تلاعن اثنان من المسلمين إلّا رجعت تلك اللّعنة على اليهود والنّصارى الّذين كتموا أمر محمّد ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وصفته (٣). وعن ابن عبّاس : أنّ لهم لعنتين لعنة الله ، ولعنة الخلائق ، قال : وذلك إذا وضع الرّجل في قبره ، فيسأل ما دينك؟ وما نبيّك؟ وما ربّك؟ فيقول : لا أدري فيضرب ضربة يسمعها كلّ شيء إلّا الثّقلين ، فلا يسمع شيء صوته إلّا لعنه ، ويقول الملك : لا دريت ولا تليت ، كذلك كنت في الدّنيا (٤).
وقال أبو مسلم (٥) : «اللّاعنون هم الّذين آمنوا به ، ومعنى اللّعنة : مباعدة الملعون ، ومشاقّته ، ومخالفته مع السّخط عليه.
وقيل : الملائكة ، والأنبياء ، والصالحون ؛ ويؤكّده قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ).
وقال قتادة : «الملائكة» (٦).
قال الزّجّاج : والصواب قول من قال : «اللّاعنون الملائكة والمؤمنون» ، فأمّا أن يكون ذلك لدوابّ الأرض فلا يوقف على حقيقته إلّا بنصّ أو خبر لازم ، ولم يوجد شيء من ذلك.
قال القرطبيّ (٧) : قد جاء بذلك خبر رواه البراء بن عازب ، قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وعلى آله ، وسلّم ، وشرّف ، وكرّم ، ومجّد ، وبجّل ، وعظّم ـ في قوله تعالى : (يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) قال : دوابّ الأرض (٨) أخرجه ابن ماجة.
__________________
(١) في ب : تعقل.
(٢) ينظر تفسير الفخر الرازي : ٤ / ١٤٩.
(٣) أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» كما في «الدر المنثور» (١ / ٢٩٦) من طريق محمد بن مروان أخبرني الكلبي عن أبي صالح عن ابن مسعود موقوفا.
(٤) ذكر هذا الأثر الفخر الرازي في «التفسير الكبير» (٤ / ١٤٩) عن ابن عباس.
(٥) ينظر تفسير الفخر الرازي : ٤ / ١٤٩.
(٦) ينظر تفسير القرطبي : ٢ / ١٢٥.
(٧) ينظر تفسير القرطبي : ٢ / ١٢٥.
(٨) أخرجه ابن ماجه (٢ / ١٣٣٤) كتاب الفتن باب العقوبات (٤٠٢١) قال الحافظ البوصيري في «الزوائد» (٣ / ٢٤٦) : هذا إسناد ضعيف ؛ لضعف ليث بن أبي سليم.
والحديث ذكره القرطبي في تفسيره (٢ / ١٨٧).