قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٦١) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ)(١٦٢)
اعلم أنّ ظاهر الآية يعمّ كلّ كافر مات على كفره.
وقال أبو مسلم (١) : يجب حمله على الّذين تقدّم ذكرهم ، وهم الذين يكتمون الآيات ، واحتجّ بأنّه تعالى لمّا ذكر حال الّذين يكتمون ، ثمّ ذكر حال التّائبين منهم ، ذكر أيضا حال من يموت منهم من غير توبة ، وأيضا : فإنه تعالى لمّا ذكر أنّ أولئك الكاتمين ملعونون حال الحياة ، بيّن أنّهم ملعونون بعد الموت. وجوابه : إنّما يصحّ هذا ، لو كان الّذين يموتون منهم من غير توبة دخلوا تحت الآية ، وإلّا لاستغنى عن ذكرهم فوجب حمل الكلام على أمر مستأنف.
فإن قيل : كيف يلعنه النّاس أجمعون ، وأهل [دينه لا يلعنونه](٢).
فجوابه من وجوه :
أحدها : أنّ أهل دينه يلعنونه في الآخرة ؛ لقوله تعالى : (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) [العنكبوت : ٢٥] قال أبو العالية : «يوقف الكافر يوم القيامة ، فيلعنه الله ، ثمّ تلعنه الملائكة ، ثم تلعنه النّاس» (٣).
وثانيها : قال قتادة ، والرّبيع : أراد بالنّاس أجمعين المؤمنين (٤) ؛ كأنه لم يعتدّ بغيرهم ، وحكم بأنّ المؤمنين هم النّاس لا غير.
وثالثها : أنّ كلّ أحد يلعن الجاهل ، والظّالم ؛ لأنّ قبح ذلك مقرّر في العقول (٥) فإذا كان في نفسه [هو جاهلا ، أو ظالما ، وإن كان لا يعلم هو من نفسه كونه كذلك](٦) كانت لعنته على الجاهل والظّالم تتناول نفسه.
ورابعها : أنّ يحمل وقوع اللّعنة على استحقاق اللّعن ، وحينئذ يعمّ ذلك.
فصل في بيان جواز لعن من مات كافرا
قال أبو بكر الرّازيّ (٧) ـ رضي الله عنه ـ : الآية الكريمة تدلّ على أنّ للمسلمين
__________________
(١) ينظر تفسير الفخر الرازي : ٤ / ١٥١.
(٢) في ب : دينهم يلعنونهم.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٢٦٢) عن أبي العالية ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٢٩٨) وزاد نسبته لابن أبي حاتم.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٢٦٢) عن الربيع وقتادة ، وأورده السيوطي في «الدر المنثور» عن قتادة (١ / ٢٩٨) وزاد نسبته لعبد بن حميد.
(٥) ذكره الفخر الرازي في تفسيره : ٤ / ١٥١.
(٦) سقط في ب.
(٧) ينظر تفسير الفخر الرازي : ٤ / ١٥١.