لعن من مات كافرا ، وأنّ زوال التكليف عنه بالموت لا يسقط عنه اللّعنة ؛ لأنّ قوله تعالى : (وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) أمر لنا بلعنه بعد موته ؛ وهذا يدلّ على أنّ الكافر ، لو جنّ ، لم يكن زوال التّكليف عنه مسقطا اللّعنة والبراءة منه ، وكذلك السّبيل فيما يوجب المدح والموالاة من الإيمان والصّلاح ، فموت من كان كذلك أو [جنونه لا يغيّر](١) حكمه عمّا كان عليه قبل حدوث الحال به.
قوله تعالى : (وَماتُوا) الواو هذه واو الحال ، والجملة في محلّ نصب على الحال ، وإثبات الواو هنا أفصح ؛ خلافا للفرّاء ، والزّمخشريّ ، حيث قالا : إنّ حذفها شاذّ. وقوله (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ) : «أولئك» : مبتدأ ، [و (عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ) : مبتدأ وخبره ، خبر عن أولئك»](٢) و «أولئك» وخبره : خبر عن «إنّ» ، ويجوز في «لعنة» الرفع بالفاعليّة بالجار قبلها ؛ لاعتمادها ؛ فإنّه وقع خبرا عن «أولئك» وتقدّم تحريره في (عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ) [البقرة : ١٥٧].
فصل في هل يجوز لعن الكافر المعين
قال ابن العربيّ : قال لي كثير من أشياخي : إنّ الكافر المعيّن لا يجوز لعنه ؛ لأنّ حاله عند الموافاة لا تعلم ، وقد شرط الله تعالى في هذه الآية الكريمة في إطلاق اللّعنة : الموافاة على الكفر.
وأمّا ما روي عن النبيّ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلّم ، وشرّف وكرّم ، ومجّد ، وبجّل وعظّم ـ أنّه لعن أقواما بأعيانهم من الكفّار ، فإنما كان ذلك ؛ لعلمه بمآلهم (٣).
قال ابن العربيّ : والصحيح عندي : جواز لعنه ؛ لظاهر حاله ، ولجواز قتله وقتاله.
وقد روي عن النبيّ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلّم ، وشرّف ، وكرّم ، ومجّد ، وبجّل ، وعظّم ـ أنه قال : «اللهمّ ، إنّ عمرو بن العاص هجاني ، وقد علم أنّي لست بشاعر ، فالعنه ، واهجه عدد ما هجاني» (٤) [فلعنه ، وإن كان الإيمان والدّين والإسلام مآله ، وانتصف بقوله «عدد ما هجاني»](٥) ولم يزد ؛ لتعليم العدل والإنصاف ، وأضاف الهجو إلى الله تعالى في باب الجزاء ، دون الابتداء بالوصف بذلك ؛ كما يضاف إليه المكر والاستهزاء والخديعة ، تعالى الله عن ذلك.
__________________
(١) في ب : جنانه لا بيغير.
(٢) سقط في ب.
(٣) ينظر تفسير القرطبي : ٢ / ١٢٦.
(٤) الحديث أخرجه الروياني في «مسنده» وابن عساكر في «تاريخ دمشق» كما في «كنز العمال» (١٣ / ٥٤٨) رقم (٣٧٤٣١) عن البراء بن عازب.
وقال ابن عساكر : في إسناده مقال.
(٥) سقط في ب.