الغائب ، ولا يجوز أن يكون خبرا ل «هو» هذه المذكورة ؛ لأنّ المستثنى ليس بجملة.
فصل في سبب النّزول
قال ابن عبّاس : سبب نزول هذه الآية أنّ كفّار قريش قالوا : يا محمّد ، صف وانسب لنا ربّك فأنزل الله تعالى سورة الإخلاص ، وهذه الآية (١).
قال أبو الضّحى : لمّا نزلت هذه الآية ، قال المشركون : إنّ محمّدا يقول : إلهكم إله واحد ، فليأتنا بآية ، إن كان من الصّادقين ، فأنزل الله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(٢) [والمراد بالخلق هنا المخلوق.
قال أبو مسلم (٣) : وأصل الخلق التقدير ؛ قال تعالى : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً)(٤) [الفرقان : ٢].
قوله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)(١٦٤)
ذكر ابن جرير في سبب نزول هذه الآية عن عطاء أيضا ما ذكرناه آنفا.
وعن سعيد بن مسروق ، قال : سألت قريش اليهود ، فقالوا : حدّثونا عمّا جاءكم به موسى ـ عليهالسلام ـ من الآيات. فحدّثوهم بالعصا وباليد البيضاء ، وسألوا النّصارى عمّا جاءهم به عيسى ، فحدّثوهم بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى ؛ فقالت قريش عند ذلك للنّبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : ادع الله لنا أن يجعل الصّفا ذهبا ، فنزداد يقينا ، ونتقوّى على عدوّنا [فسأل ربّه ذلك](٥) فأوحى الله تعالى إليه أن يعطيهم ، ولكن إن كذّبوا بعده ، عذّبتهم عذابا شديدا لا أعذّبه أحدا من العالمين فقال ـ عليه الصّلاة والسّلام : ـ ذرني وقومي ، أدعوهم يوما فيوما ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (٦) مبيّنا لهم أنهم إن كانوا يريدون أن أجعل لهم الصّفا ذهبا ؛ ليزدادوا يقينا ؛ فخلق السّموات والأرض وسائر ما ذكر أعظم وأكبر.
__________________
(١) ذكره القرطبي في «تفسيره» الجامع لأحكام القرآن (٢ / ١٢٨) عن ابن عباس.
(٢) ينظر تفسير البغوي : ١ / ١٣٥.
(٣) ينظر تفسير الرازي : ٤ / ١٦٢.
(٤) سقط في ب.
(٥) سقط في ب.
(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٢٦٩) عن سعيد بن مسروق.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٢٩٩) بمعناه عن ابن عباس ، وعزاه لابن أبي حاتم وابن مردويه. وعزاه أيضا (١ / ٢٩٩) لعبد بن حميد عن سعيد بن جبير.