وقيل : لمّا نزل قوله : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) ، قالوا : هل من دليل على ذلك فأنزل الله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ؛ فبيّن لهم الدّليل وقد تقدّم في قوله تعالى : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ) [البقرة : ٢٢].
قال البغوي (١) : ذكر «السموات» بلفظ الجمع ، لأنّ كلّ سماء من جنس آخر ، وأفرد الأرض ؛ لأن الأرضين كلّها من جنس واحد ، وهو التراب ، والآية في السّموات سمكها وارتفاعها من غير عمد ، ولا علاقة ، وما يرى فيها من الشّمس ، والقمر ، والنّجوم ، واختلاف أحوالها من الطّلوع ، والغروب ، وغير ذلك ، والآية من الأرض : مدّها ، وبسطها وسعتها ، وما يرى فيها من الأشجار ، والأثمار ، والأنهار ، والجبال ، والبحار ، والجواهر ، والنبات ، وقد تقدّم طرف من هذا.
قوله تعالى : (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) ذكروا للاختلاف تفسيرين :
أحدهما : أنّه افتعال من قولهم : «خلفه يخلفه» إذا ذهب الأوّل ، وجاء الثّاني ، فاختلاف اللّيل والنّهار تعاقبهما في الذّهاب والمجيء ؛ يقال : فلان يختلف إلى فلان ، إذا كان يذهب إليه ويجيء من عنده ، فذهابه يخلف مجيئه ، ومجيئه يخلف ذهابه ، وكلّ شيء يجيء بعد شيء آخر ، فهو خلفة ، وبهذا فسّروا قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً) [الفرقان : ٦٢] ؛ ومنه قول زهير : [الطويل]
٨٦٢ ـ بها العين والأرآم يمشين خلفة |
|
وأطلاؤها ينهضن من كلّ مجثم (٢) |
وقال آخر : [المديد]
٨٦٣ ـ ولها بالماطرون إذا |
|
أكل النّمل الّذي صنعا |
خلفة حتّى إذا ارتبعت |
|
سكنت من جلّق بيعا (٣) |
الثاني : اختلاف الليل والنهار ، في الطول والقصر ، والنور والظلمة ، والزيادة والنقصان.
__________________
(١) ينظر تفسير البغوي : ١ / ١٣٥.
(٢) البيت لزهير بن أبي سلمى ينظر ديوانه : ص ٥ ، وجمهرة اللغة : ص ٤١٥ ، ٤١٦ ، ولسان العرب (خلف) ، (طلى) ، ورصف المباني : ص ١٤٥ ، والدر المصون : ١ / ٤٢١.
(٣) البيتان لأبي دهبل الجمحي ينظر ديوانه : ص ٨٥ ، والحيوان : ٤ / ١٠ ، والمستقصى : ١ / ٥١ ، وللأحوص الأنصاري ينظر ديوانه : ص ٢٢١ ، وليزيد بن معاوية : ص ٢٢ في ديوانه ، وشرح التصريح : ١ / ٧٦ ، والمقاصد النحوية : ١ / ٤٨ ، وليزيد أو للأحوص في خزانة الأدب : ٧ / ٣٠٩ ، ٣١٠ ، ٣١١ ، ٣١٢ ، وللأخطل في لسان العرب (مطر) ، وبلا نسبة في سر صناعة الإعراب : ٢ / ٦٢٦ ، ولسان العرب (مطر) ، والممتع في التصريف : ١ / ١٥٨ ، والدر المصون : ١ / ٤٢١.