قال الكسائي : «يقال لكلّ شيئين اختلفا : هما خلفان».
قال ابن الخطيب (١) : وعندي فيه وجه ثالث ، [وهو](٢) أنّ اللّيل والنهار كما يختلفان بالطّول والقصر في الأزمنة ، فهما يختلفان في الأمكنة فإنّ من يقول : إنّ الأرض كرة ، فكلّ ساعة عنيتها ، فتلك الساعة في موضع من الأرض صبح ، وفي موضع آخر ظهر ، وفي آخر عصر وفي آخر مغرب ، وفي آخر عشاء ، وهلمّ جرّا ، هذا إذا [اعتبرنا البلاد المختلفة في الطّول ، أما البلاد المختلفة](٣) في العرض ، فكلّ بلد يكون عرضه الشماليّ أكثر ، كانت أيّامه الصيفيّة أطول ولياليه الصّيفيّة أقصر ، وأيّامه الشتويّة بالضّدّ من ذلك ، فهذه الأحوال المختلفة في الأيّام واللّيالي بحسب اختلاف أطوال البلاد وعروضها أمر عجيب مختلف.
وأيضا : فإنّ إقبال الخلق في أوّل الليل على النّوم يشبه موت الخلائق عند النّفخة الأولى في الصّور ، ويقظتهم آخر اللّيل يشبه عودة الحياة إليهم عند النّفخة الثانية ، وهذا أيضا من الآيات العظيمة.
وأيضا : انشقاق ظلمة الليل بظهور الصّبح المستطيل كأنّه جدول ماء صاف يسيل في بحر كدر بحيث لا يتكدّر الصّافي بالكدر ، ولا الكدر الصافي ، وهو المراد بقوله : (فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً) [الأنعام : ٩٦].
قال علماء الهيئة (٤) : إنّ الموضع الذي يكون القطب فيه على سمت الرأس تكون السّنة فيه [ستّة أشهر نهارا](٥) وستّة أشهر ليلا ، وهناك لا يتمّ النّضج ، ولا يصلح لمسكن الحيوان ولا يتهيأ فيه سبب من أسباب المعيشة.
فصل في أصل الليل
اختلفوا ؛ قيل : الليل : اسم جنس ، فيفرق بين واحده وجمعه بتاء التأنيث ؛ فيقال : ليلة وليل ؛ كتمرة وتمر ، واللّيالي جمع الجمع ، والصحيح : أنّه مفرد ، ولا يحفظ له جمع ؛ وكذلك خطأ الناس من زعم أنّ «الليالي» جمع «ليل» ، بل الليالي جمع «ليلة» وهو جمع غريب ، ولذلك قالوا : هو جمع «ليلاة» تقديرا ، وقد صرّح بهذا المفرد في قول الشّاعر : [السريع أو الرجز]
٨٦٤ ـ في كلّ يوم ما وكلّ ليلاه |
|
حتّى يقول كلّ راء إذ رآه |
__________________
(١) ينظر تفسير الفخر الرازي : ٤ / ١٧٥.
(٢) سقط في ب.
(٣) سقط في ب.
(٤) ينظر تفسير الفخر الرازي : ٤ / ١٧٦.
(٥) سقط في ب.