فصل في الاستدلال بالآية على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى
احتج الأصحاب بهذه الآية على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى ؛ لأن هذه الآية دالة على أن عدالة هذه الأمة وخيرتيهم بجعل الله وخلقه ، وهذا صريح في المذهب.
وقالت المعتزلة : المراد من هذا الجعل فعل الألطاف.
أجيب عنه بوجوه :
الأول : أن هذا ترك للظاهر ، وذلك محال لا يصار إليه إلا عند عدم إمكان حمل الآية على ظاهرها ، أقصى ما للمعتزلة في هذا الباب التمسّك بفصل المدح والذم والثواب والعقاب ، وقد بيّنا أن هذه الطريقة منتقضة على أصولهم بمسألة العلم ومسألة الداعي.
والثاني : أنه تعالى ـ قال قبل هذه الآية (يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [البقرة: ١٤٢].
وقد بيّنا دلالة هذه الآية على قولنا في أنه ـ تعالى ـ يخص البعض بالهداية دون البعض ، فهذه الآية يجب أن تكون محمولة على ذلك لتكون كل واحدة منهما مؤكدة لمضمون الأخرى.
والثالث : أن كلّ ما في مقدور الله ـ تعالى ـ من الألطاف في حقّ الكل فقد فعله ، وإذا كان كذلك لم يكن لتخصيص المؤمنين بهذا المعنى فائدة.
والرابع : أن الله ـ تعالى ـ ذكر ذلك في معرض الامتنان.
فصل في الاستدلال بالآية على أن الإجماع حجّة (١)
احتج الجمهور بهذه الآية على أن الإجماع حجة فقالوا : أخبر الله ـ تعالى ـ عن
__________________
(١) إن إثبات حجيّة الإجماع يرتكز على دعائم ثلاث : إمكانه في نفسه ؛ وإمكان العلم به ، وإمكان نقله إلى من يحتجّ به ، ولقد أراد منكرو حجيته أن يأتوا البنيان من قواعده فأنكروها ، وقالوا على وجه الإجمال : يمتنع ثبوت الإجماع ، ولو ثبت ، يمتنع العلم به ، ولو علم يمتنع نقله إلى المجتهد ، فقد أسندوا كلامهم إلى ثلاث جهات ، فلا بد لهذا من مقامات : الأوّل : في بيان إمكان الإجماع.
ذهب جمهور العلماء إلى أنّه ممكن ، وادّعى بعض النّظّاميّة والرّوافض استحالته ، وتحرير محل النزاع : أنه لا خلاف لأحد في إمكان الإجماع عقلا ؛ لأن العقل لا يمنع من تصوّر اتّفاق المجتهدين في عصر على حكم من الأحكام ؛ ولأن أدلتهم الآتية إنّما تنتج استحالته في حكم العادة ، لا في جوازه في ضروريّات الأحكام ، وإنما النزاع في إمكانه عادة في الأحكام التي لا تكون معلومة بالضّرورة ، ونسب «ابن الحاجب» هذا القول إلى «النّظام» ووافقه الكمال ، وذكر «السّبكيّ» أنّ هذا قول بعض أصحابه ، وأمّا رأي «النّظّام» نفسه مع بعض أصحابه : فهو أنّه يتصوّر ، ولكن لا حجية فيه ، كذا نقله القاضي ، وأبو إسحاق الشيرازيّ ، وابن السمعانيّ وهي طريقة الإمام الرازي وأتباعه في النقل عنه.
شبه المخالفين في إمكان الإجماع. ـ