الواحد والجمع ، وهو محجوج بما تقدّم من التثنية ، ولم يذكر لاختياره وجها ، وإذا أفرد «فلك» ، فهو مذكّر ؛ قال تعالى : (فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) [يس : ٤١]. وقال جماعة ، منهم أبو البقاء (١) : يجوز تأنيثه ؛ مستدلّين بقوله : (وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ) فوصفه بصفة التأنيث ، ولا دليل في ذلك ؛ لاحتمال أن يراد به الجمع ؛ وحينئذ فيوصف بما يوصف به المؤنثة الواحدة.
قال الواحديّ (٢) : وأصله من الدّوران ، فكل مستدير فلك ، ومنه «فلك السّماء» ؛ لدوران النّجوم فيه ، و «فلكة المغزل» [وفلكت الجارية : استدار نهدها](٣) ، وسمّيت السّفينة فلكا لأنّها تدور بالماء أسهل دور.
وجاء بصلة «الّتي» فعلا مضارعا ؛ ليدلّ على التجدّد والحدوث ، وإسناد الجري إليها مجاز ، وقوله : (فِي الْبَحْرِ) توكيد ؛ إذ المعلوم أنّها تجري في غيره ؛ كقوله (يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) [الأنعام : ٣٨].
فصل في عدد البحور
قال ابن الخطيب (٤) ـ رحمهالله ـ قيل : إنّ البحور المعروفة [خمسة] : بحر الهند ، وهو بحر الصّين ، وبحر المغرب ، وبحر الشّام ، وبحر الرّوم [ومصر] وبحر نيطش وبحر جرجان.
فالأوّل يمتدّ طوله [من المغرب إلى المشرق] ، من أقصى أرض الحبشة إلى أقصى أرض الهند ، ويخرج منه خليج عند أرض الحبشة يمتد إلى ناحية البربر ، يسمّى البربريّ ، وخليج بحر أيلة ، وهو بحر القلزم ، ينتهي إلى البحر الأخضر على شرقيّ أرض اليمن وعلى غربيّ أرض الحبشة ، وخليج بحر فارس يسمى الفارسي وهو بحر البصرة على شرقي تيز ومكران ، وعلى غربيه غمان وبين هذين الخليجين خليج أيلة ، وخليج فارس الحجاز واليمن ، وبلاد المغرب وخليج رابع إلى أقصى الهند يسمّى الأخضر ، وفي بحر الهند ألف وثلثمائة وسبعون جزيرة منها سرنديب عند بلاد الصين يحيط بها ثلاثة آلاف ميل فيها جبال وأنهار ، ومنها يخرج الياقوت الأحمر.
وأمّا بحر المغرب ، فهو المحيط ويسمّيه اليونانيّون : أوقيانوس ، ويتّصل به بحر الهند ، وطرفه في ناحية المغرب والشمال محاذيا لأرض الروم والصقالبة ويأخذ في الجنوب محاذيا لأرض السّودان مارّا على [حدود السّوس ، وطنجة وتاهرت] ، ثم الأندلس والجلالقة والصّقالبة ، ثم يمتد من هناك وراء الجبال غير المسلوكة والأراضي غير المسكونة نحو بحر المشرق ، وهذا البحر لا تجري فيه السّفن إلا بقرب ساحله ، وفيه
__________________
(١) ينظر الإملاء لأبي البقاء : ١ / ٧٢.
(٢) ينظر تفسير الفخر الرازي : ٤ / ١٧٦.
(٣) سقط في ب.
(٤) ينظر تفسير الفخر الرازي : ٤ / ١٧٦.