ويقول الأعشى : [الطويل]
٨٧٣ ـ .......... |
|
دبيب قطا البطحاء في كلّ منهل (١) |
وبقوله سبحانه : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ) [النور : ٤٥] ثمّ فصّل : بمن يمشي على رجلين ، وهو الإنسان والطّير.
فصل في أنّ حدوث الدواب دليل على وجود الصانع
اعلم أنّ حدوث الحيوانات قد يكون بالتّوليد ، وقد يكون بالتّوالد :
وعلى التقديرين : فلا بدّ فيهما من [الافتقار إلى](٢) الصّانع الحكيم ؛ يروى أنّ رجلا قال عند عمر بن الخطّاب ـ رضي الله عنه ـ : إنّي لأتعجّب من أمر الشّطرنج ، فإنّ رقعته ذراع في ذراع ، وإنّه لو لعب الإنسان ألف ألف مرّة ، فإنّه لا يتّفق مرّتان على وجه واحد ، فقال عمر بن الخطّاب ـ رضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين ـ : ههنا ما هو أعجب منه ، وهو أنّ مقدار الوجه شبر [في شبر] ، ثم إن موضع الأعضاء التي فيه ؛ كالحاجبين ، والعينين ، والأنف ، [والفم] ، لا يتغيّر ألبتّة ، ثم إنّك لا ترى شخصين في الشّرق والغرب يشتبهان في الصّورة (٣) ، وكذا اللّون ، والألسنة ، والطّبائع ، والأمزجة ، والصّوت ، والكثافة ، واللّطافة ، والرّقّة ، والغلظ ، والطّول ، والقصر ، وبقيّة الأعضاء ، والبلادة ، والفطنة ، فما أعظم تلك المقدرة والحكمة التي أظهرت في هذه الرّقعة الصّغيرة هذه الاختلافات الّتي لا حدّ لها!
وروي عن عليّ بن أبي طالب ـ رضي الله تعالى عنه ـ [أنه قال] : «سبحان من أبصر بشحم ، وأسمع بعظم ، وأنطق بلحم» (٤).
واعلم أنّ أهل الطبائع ؛ قالوا : أعلى العناصر يجب أن يكون هو النّار ؛ لأنّها حارّة يابسة ، ودونها في اللّطافة : الهواء ، وهو حارّ رطب ، ودونها : الماء ؛ لأنّه بارد رطب ، والأرض لا بدّ أن تكون تحت الكلّ ؛ لثقلها ، وكثافتها ، [ويبسها] ، ثمّ إنّهم قلبوا هذه القضيّة في [تركيب] بدن الإنسان ؛ لأنّ أعلى الأعضاء منه عظم القحف ، والعظم وهو بارد يابس ، فطبيعته على طبيعة الأرض ، وتحته الدّماغ ، وهو بارد رطب على طبع الماء ، وتحته النّفس ، وهو حارّ رطب على طبع الهواء ، وتحت الكل : القلب ، وهو حارّ يابس
__________________
(١) عجز بيت وصدره :
نياف كغصن البان ترتج إن مشت
ينظر ديوانه : (١٦١) ، والبحر المحيط : (١ / ٦٢٩) ، والدر المصون : ١ / ٤٢٤.
(٢) سقط في ب.
(٣) الأثر ذكره الفخر الرازي في «التفسير الكبير» (٤ / ١٧٩ ـ ١٨٠) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(٤) ذكره أيضا الفخر الرازي في «تفسيره» (٤ / ١٨٠) عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ.