أحدهما : أنه منصوب بقوله : «المسخّر» فيكون ظرفا للتّسخير.
والثاني : أن يكون حالا من الضّمير المستتر [في اسم المفعول](١) ؛ فيتعلّق بمحذوف ، أي : كائنا بين السّماء والأرض ، و «لآيات» اسم «إنّ» ، والجارّ خبر مقدّم ، ودخلت اللّام على الاسم ؛ لتأخّره عن الخبر ، ولو كان موضعه ، لما جاز ذلك فيه.
وقوله : «لقوم» : في محلّ نصب ، لأنّه صفة ل «آيات» ، فيتعلّق بمحذوف ، وقوله : «يعقلون» : الجملة في محلّ جرّ ؛ لأنّها صفة ل «قوم» ، والله أعلم.
فصل في تفسير «السّحاب»
روى ابن عبّاس عن كعب الأحبار ـ رضي الله عنه ـ قال : «السّحاب غربال المطر ، لو لا السّحاب حين ينزل الماء من السّماء ، لأفسد ما يقع عليه من الأرض».
وقال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : سمعت كعبا ، يقول : إنّ الأرض تنبت العام نباتا ، وتنبت نباتا عاما قابلا غيره ، وسمعته يقول : إنّ البذر ينزل من السّماء مع المطر ، فيخرج في الأرض (٢).
فصل في الاستدلال بتسخير السحاب على وحدانية الله
في الاستدلال بتسخير السّحاب على وحدانيّة الصّانع : أنّ طبع الماء ثقيل يقتضي النّزول فكان بقاؤه في جوّ الهواء على خلاف الطّبع ، فلا بدّ من قادر قاهر ، يقهر على ذلك ، فلذلك سمّاه بالمسخّر ، وأيضا : فإنّه لو دام ، لعظم ضرره من حيث إنّه يستر ضوء الشّمس ، ويكثر [الأمطار ، والابتلال](٣) ، ولو انقطع ، لعظم ضرره ؛ لأنّه يفضي إلى القحط وعدم العشب ، والزراعة ؛ فكان تقديره بالمقدار المعلوم الذي يأتي في وقت الحاجة ، ويزول عند زوال الحاجة بتقدير مقدّر قاهر أيضا ؛ فإنّه لا يقف في موضع معيّن ، بل الله تعالى يسيّره بواسطة تحريك الرّياح إلى حيث شاء وأراد ، وذلك هو التّسخير.
روى مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنّه قال : بينما رجل بفلاة من الأرض ، فسمع صوتا من سحابة : اسق حديقة فلان ، فتنحّى ذلك السّحاب ، فأفرغ ماءه في جرّة ، فإذا بشرجة من تلك الشّراج ، قد استوعبت ذلك الماء كلّه ، فتتبّع الماء ، فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته ، فقال له : يا عبد الله ،
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) الأثر ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٣٠٢) عن معاذ بن عبد الله بن حبيب الجهني قال رأيت ابن عباس سأل تبيعا ابن امرأة كعب هل سمعت كعبا يقول في السحاب شيئا ... فذكره.
وعزاه السيوطي لابن أبي حاتم وأبي الشيخ في «العظمة» والبيهقي في «الأسماء والصفات» وابن عساكر.
(٣) في ب : الانتظار والانفلاك.