خبرا ؛ لأنّ تقديره : «أنّ القوّة كائنة لله جميعا» ولا جائز أن يكون حالا من القوّة ؛ فإن العامل في الحال ، هو العامل في صاحبها ، وأنّ لا تعمل في الحال ، وهذا مشكل ؛ فإنهم أجازوا في «ليت» أن تعمل في الحال ، وكذا «كأنّ» ؛ لما فيها من معنى الفعل ـ وهو التمنّي والتّشبيه ـ فكان ينبغي أن يجوز ذلك في «أنّ» لما فيها من معنى التّأكيد.
و «جميع» في الأصل : «فعيل» من الجمع ، وكأنه اسم جمع ؛ فلذلك يتبع تارة بالمفرد ؛ قال تعالى : (نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ) [القمر : ٤٤] وتارة بالجمع ؛ قال تعالى : (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) [يس : ٣٢] وينتصب حالا ، ويوكّد به ؛ بمعنى «كلّ» ويدلّ على الشمول ؛ كدلالة «كلّ» ، ولا دلالة له على الاجتماع في الزّمان ، تقول : «جاء القوم جميعهم» لا يلزم أن يكون مجيئهم في زمن واحد ، وقد تقدّم ذلك في الفرق بينها وبين «جاءوا معا».
قوله تعالى : (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (١٦٦) وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ)(١٦٧)
اعلم أنّه لما بيّن حال من يتّخذ من دون الله أندادا بقوله : ولو يرى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب على طريق التهديد زاد في هذا الوعيد بهذه الآية الكريمة ، وبيّن أنّ الذين أفنوا عمرهم في عبادتهم ، واعتقدوا أنّهم سبب نجاتهم ، فإنّهم يتبّرءون منهم ؛ ونظيره قوله تعالى : (يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ) [العنكبوت : ٢٥] وقوله ـ عزوجل سبحانه ـ : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [الزخرف : ٦٧] وقوله تعالى : (كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها) [الأعراف : ٣٨] وقول إبليس لعنه الله (إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ).[إبراهيم : ٢٢].
وهل هذا التبرّؤ يقع منهم بالقول ، أو بظهور النّدم على ما فرط منهم من الكفر والإعراض؟ قولان : أظهرهما الأوّل.
واختلفوا في هؤلاء المتبوعين ، فقال قتادة ، والرّبيع وعطاء : السّادة والرّؤساء من مشركي الإنس (١) إلّا أنّهم الذين يصحّ منهم الأمر والنّهي ؛ حتى يمكن أن يتبعوا.
وقال السّدّيّ : هم شياطين الجنّ (٢).
وقيل : شياطين الإنس والجنّ (٣).
وقيل : الأوثان الّتي كانوا يسمّونها بالآلهة ؛ ويؤيد الأوّل قوله تعالى : (إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) [الأحزاب : ٦٧].
__________________
(١) ينظر تفسير الفخر الرازي : ٤ / ١٩٠.
(٢) ينظر تفسير الفخر الرازي : ٤ / ١٩٠.
(٣) ينظر تفسير الفخر الرازي : ٤ / ١٩٠.