«نتبرّأه ، أي : التّبرّؤ ، مشابها لتبرّئهم» ؛ كما تقرّر غير مرّة.
وقال ابن عطيّة : الكاف في قوله : «كما» في موضع نصب على النّعت : إمّا لمصدر : أو لحال ، تقديره : متبرّئين ، كما قال أبو حيّان. أمّا قوله «لحال» تقديره : «متبرّئين كما» فغير واضح ، لأنّ «ما» مصدرية ، فصارت الكاف الداخلة عليها من صفات الأفعال و «متبرّئين» : من صفات الأعيان ، فكيف يوصف بصفات الأفعال.
قال : وأيضا لا حاجة لتقدير هذه الحال ، لأنّها إذ ذاك تكون حالا مؤكّدة ، وهي خلاف الأصل ، وأيضا : فالمؤكّد ينافيه الحذف ؛ لأنّ التوكيد يقوّيه ، فالحذف يناقضه.
فصل في معنى التبرؤ
قال ابن الخطيب (١) ـ رحمهالله ـ قولهم : (لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً ، فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا) ذلك تمنّ منهم للرجعة إلى الدّنيا. وإلى حال التّكليف ، ويكون الاختيار لهم ؛ حتّى يتبرءوا منهم في الدّنيا ، كما تبرءوا يوم القيامة منهم ومفهوم الكلام : أنّهم تمنّوا لهم في الدّنيا ما يقارب العذاب ، فيتبرّءون منهم ، ولا يخلصونهم ، كما فعلوا بهم يوم القيامة ، وتقديره : فلو أنّ لنا كرّة فنتبرّأ منهم ، وقد دهمهم مثل هذا الخطب ، كما تبرءوا منّا ، والحال هذه ؛ لأنّهم إن تمنّوا التبرّؤ منهم ، مع سلامة ، فأيّ فائدة؟.
قال القرطبي : التبرّؤ : الانفصال (٢).
قوله تعالى : (كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ) في هذه «الكاف» قولان :
أحدهما : أنّ موضعها نصب : إمّا نعت مصدر محذوف ، أو حالا من المصدر المعرّف ، أي : يريهم رؤية كذلك ، أو يحشرهم حشرا كذلك ، أو يجزيهم جزاء كذلك ، أو يريهم الإراءة مشبهة كذلك ونحو هذا.
الثاني : أن يكون في موضع رفع ، على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي : الأمر كذلك ، أو حشرهم كذلك ، قاله أبو البقاء (٣).
قال أبو حيّان (٤) : وهو ضعيف ؛ لأنّه يقتضي زيادة الكاف ، وحذف مبتدأ ، وكلاهما على خلاف الأصل والإشارة بذلك إلى رأيهم تلك الأهوال والتقدير : مثل إراءتهم الأهوال ، يريهم الله أعمالهم حسرات.
وقيل : الإشارة إلى تبرّؤ بعضهم من بعض والتقدير : كتبرّؤ بعضهم من بعض ، يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم ؛ وذلك لانقطاع الرّجاء من كلّ أحد.
والرؤية تحتمل وجهين :
__________________
(١) ينظر تفسير الفخر الرازي : ٤ / ١٩١.
(٢) ينظر تفسير القرطبي : ٢ / ١٣٩.
(٣) ينظر الإملاء لأبي البقاء : ١ / ٧٤.
(٤) ينظر البحر المحيط : ١ / ٦٤٨.