الكشف يقال : حسر عن ذراعيه ، والحسرة : انكشاف عن حالة النّدامة ؛ [والمحسرة](١) المنكسة ؛ لأنها تكشف عن الأرض ؛ والطير تنحسر لأنها تنكشف بذهاب الريش.
قوله تعالى : (وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ).
احتجّ به على أن أصحاب الكبائر من أهل القبلة يخرجون من النّار ، فقالوا :
لأنّ قوله : «وما هم» تخصيص لهم بعدم الخروج على سبيل الحصر ؛ فوجب أن يكون عدم الخروج مخصوصا بهم ، وهذه الآية الكريمة تكشف عن المراد بقوله : (وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ) [الانفطار : ١٤ ـ ١٦] فبيّن أنّ المراد بالفجّار هاهنا الكفّار ؛ لدلالة هذه الآية الكريمة عليه والله أعلم.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٦٨) إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)(١٦٩)
لما بيّن التوحيد ودلائله وما للموحّدين من الثواب وأتبعه بذكر الشّرك ، أتبع ذلك بذكر إنعامه على الفريقين وأنّ معصية من عصاه ، وكفر من كفر به ، لم تؤثّر في قطع نعمه وإحسانه إليهم.
قال ابن عبّاس رضي الله عنهما : هذه الآية نزلت في قوم من ثقيف ، وبني عامر بن صعصعة ، وخزاعة ، وبني مدلج ، حرّموا على أنفسهم من الحرث ، والبحائر ، والسّوائب ، والوصائل والحام (٢).
قوله تعالى : (مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً) حلالا فيه خمسة أوجه :
أحدها : أن يكون مفعولا ب «كلوا» و «من» على هذا فيها وجهان :
أحدهما : أن تتعلّق ب «كلوا» ويكون معناها ابتداء الغاية.
الثاني : أن تتعلّق بمحذوف على أنّها حال من «حلالا» [وكانت في الأصل صفة له ، فلمّا قدّمت عليه ، انتصبت حالا](٣) ويكون معنى «من» التّبعيض.
الثاني : أن يكون انتصاب «حلالا» على أنّه نعت لمفعول محذوف ، تقديره : شيئا أو رزقا حلالا ، ذكره مكّيّ (٤) واستعبده ابن عطيّة ولم يبيّن وجه بعده ، والذي يظهر في بعده أنّ «حلالا» ليس صفة خاصّة بالمأكول بل يوصف به المأكول وغيره وإذا لم تكن الصفة خاصّة ، لا يجوز حذف الموصول.
__________________
(١) في ب : والمحرمة.
(٢) ذكره البغوي في تفسيره : ١ / ١٣٨.
(٣) سقط في ب.
(٤) ينظر المشكل : ١ / ٨٠.