وقيل : هي البخل ، (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) من تحريم الحرث والأنعام.
وقال مقاتل : كلّ ما في القرآن من ذكر الفحشاء ، فإنّه الزّنا ، إلّا قوله : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ) [البقرة : ٢٦٨] فإنه منع الزكاة.
وقوله : (وَأَنْ تَقُولُوا) عطف على قوله : «بالسّوء» ، تقديره : «وبأن تقولوا» فيحتمل موضعها الجرّ والنصب ؛ بحسب قول الخليل ، وسيبويه (١).
قال الطّبريّ : يريد ما حرّموا من البحيرة والسّائبة ونحوهما ، مما جعلوه شرعا.
فصل في بيان أن الشيطان لا يأمر إلا بالقبائح
دلّت الآية على أنّ الشيطان لا يأمر إلا بالقبائح ؛ لأنّ الله تعالى ذكره بكلمة «إنّما» وهي للحصر.
وقد قال بعضهم : إن الشيطان قد يدعو إلى الخير ؛ لكن لغرض أن يجره منه إلى الشّرّ ؛ وذلك على أنواع : إمّا أن يجرّه من الأفضل إلى الفاضل ، ليتمكّن من أن يجره من الفاضل الشّرّ ، وإمّا أن يجرّه من الفاضل الأسهل إلى الأفضل الأشقّ ؛ ليصير ازدياد المشقّة سببا لحصول النّفرة عن الطّاعات بالكلّيّة.
وتناولت الآية الكريمة جميع المذاهب الفاسدة ، بل تناولت مقلّد الحقّ ؛ لأنّه قال ما لا يعلمه ؛ فصار مستحقّا للذّمّ ؛ لاندراجه تحت هذا الذّمّ.
وتمسّك بهذه الآية نفاة القياس ، [وجوابهم : أنه متى قامت الدّلالة على أنّ العمل بالقياس واجب ، كان العمل بالقياس](٢) قولا على الله بما يعلم لا بما لا يعلم.
قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) (١٧٠)
الضمير في «لهم» فيه أربعة أقوال :
أحدها : أنه يعود على «من» في قوله (مَنْ يَتَّخِذُ) [البقرة : ١٦٥].
الثاني : قال بعض المفسّرين : نزلت في مشركي العرب ، فعلى هذا : الآية متّصلة بما قبلها ، ويعود الضمير عليهم ؛ لأنّ هذا حالهم.
الثالث : أنه يعود على اليهود ؛ لأنّهم أشدّ الناس اتّباعا لأسلافهم.
روي عن ابن عبّاس قال : دعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم اليهود إلى الإسلام ، فقال رافع بن خارجة ، ومالك بن عوف : «بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا فهم كانوا خيرا منّا ، وأعلم منّا» ، فأنزل الله هذه الآية الكريمة (٣).
__________________
(١) ينظر الكتاب : ١ / ١٧.
(٢) سقط في ب.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٣٠٥ ـ ٣٠٦) وابن هشام في «السيرة» (٢ / ٢٠٠ ـ ٢٠١) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٣٠٦) وزاد نسبته لابن إسحاق وابن أبي حاتم عن ابن عباس.