للحال من حيث عطفها جملة حاليّة على حال مقدّرة ، وصحّ أن يقال : إنّها للعطف من حيث ذلك العطف ، فالمعنى ـ والله أعلم ـ : أنها إنكار اتّباع آبائهم في كلّ حال ؛ حتى في الحالة الّتي لا تناسب أن يتبعوهم فيها ، وهي تلبّسهم بعدم العقل والهداية ؛ ولذلك لا يجوز حذف هذه الواو الداخلة على «لو» إذا كانت تنبيها على أنّ ما بعدها لم يكن مناسبا ما قبلها ، وإن كانت الجملة الحاليّة فيها ضمير عائد على ذي الحال ؛ لأنّ مجيئها عارية من هذه الواو مؤذّن بتقييد الجملة السّابقة بهذه الحال ، فهو ينافي استغراق الأحوال ؛ حتى هذه الحال ، فهما معنيان مختلفان ؛ ولذلك ظهر الفرق بين : «أكرم زيدا ، لو جفاك» ، وبين : «أكرم زيدا ، ولو جفاك». انتهى. وهو كلام حسن.
وجواب «لو» محذوف ، تقديره : «لاتّبعوهم» وقدره أبو البقاء (١) : «أفكانوا يتّبعونهم؟» وهي تفسير معنى لأن «لو» لا تجاب بهمزة الاستفهام ، قال بعضهم : ويقال لهذه الواو أيضا واو التّعجّب دخلت عليها ألف الاستفهام للتوبيخ (٢).
فصل في بيان «معنى التقليد»
قال القرطبيّ (٣) : التقليد عند العلماء : «حقيقة قبول قول بلا حجّة» ؛ وعلى هذا فمن قبل قول النبيّ صلىاللهعليهوسلم من غير نظر في معجزته ، يكون مقلّدا ، وأمّا من نظر فيها ، فلا يكون مقلّدا.
وقيل : «هو اعتقاد صحّة فتيا من لا يعلم صحّة قوله» ، وهو في اللّغة مأخوذ من قلادة البعير ، تقول العرب : قلّدت البعير ؛ إذا جعلت في عنقه حبلا يقاد به ؛ فكأنّ المقلّد يجعل أمره كلّه لمن يقوده حيث شاء ؛ ولذلك قال شاعرهم : [البسيط]
٨٩١ ـ وقلّدوا أمركم لله درّكم |
|
ثبت الجنان بأمر الحرب مضطلعا (٤) |
فصل في المراد بالآية
والمعنى : «أيتّبعون آباءهم ، وإن كانوا جهّالا لا يعقلون شيئا» ، لفظه عامّ ، ومعناه الخصوص ؛ لأنهم كانوا لا يعقلون كثيرا من أمور الدنيا ؛ فدلّ هذا على أنهم لا يعقلون شيئا من الدّين ، ولا يهتدون إلى كيفيّة اكتسابه.
وقوله «شيئا» فيه وجهان :
أحدهما : أنه مفعول به ؛ فيعمّ جميع المعقولات ؛ لأنّها نكرة في سياق النفي ، ولا يجوز أن يكون المراد نفي الوحدة ، فيكون المعنى : لا يعقلون شيئا «بل أشياء من العقل» وقدّم نفي العقل على نفي الهداية ؛ لأنّه يصدر عنه جميع التصرّفات.
__________________
(١) ينظر الإملاء لأبي البقاء : ١ / ٧٥.
(٢) ينظر تفسير الفخر الرازي : ٥ / ٧.
(٣) ينظر تفسير القرطبي : ٢ / ١٤٢.
(٤) ينظر القرطبي : ٢ / ١٤٢.