بمجموعها في كونها حجة على غيرها لزالت الفائدة ، إذ لم يبق بعد انقضائها من تكون الأمة حجة عليه.
فعلمنا أن المراد به أهل كلّ عصر ، ويجوز تسمية أهل العصر الواحد بالأمة ، فإن الأمة الجماعة التي تؤمّ جهة واحدة ، ولا شك أن أهل كل عصر كذلك ، ولأنه ـ تعالى ـ قال : (أُمَّةً وَسَطاً) فعبر عنهم بلفظ النكرة ، ولا شك أن هذا يتناول أهل كل عصر.
[قال النووي ـ رحمهالله تعالى ـ في «التهذيب» : الأمّة تطلق على معان :
منها من صدق النبي صلىاللهعليهوسلم وآمن بما جاءه ، واتبعه فيه ، وهذا هو الذي جاء مدحه في الكتاب والسّنة كقوله تعالى : (كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) و (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ).
وقوله صلوات الله وسلامه عليه : «شفاعتي لأمّتي» و «تأتي أمّتي يوم القيامة غرّا محجّلين» وغير ذلك.
ومنها من بعث إليهم النبي ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ من مسلم وكافر.
ومنه قوله عليه أفضل الصلاة والسلام : «والّذي نفس محمّد بيده لا يسمع بي من هذه الأمّة يهوديّ ولا نصرانيّ ثم يموت ولم يؤمن بالّذي أرسلت به إلّا كان من أصحاب النّار» (١) رواه مسلم.
ويأتي باقي الكلام عن الأمة في آخر «النحل» إن شاء الله ـ تعالى ـ عند قوله تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً) [النحل : ١٢٠] إلى قوله : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً)](٢).
فصل في الكلام على قوله : لتكونوا
قوله تعالى : (لِتَكُونُوا) يجوز في هذه اللام وجهان :
أحدهما : أن تكون لام «كي» فتفيد العلة.
والثاني : أن تكون لام الصيرورة ، وعلى كلا التقديرين فهي حرف جر ، وبعدها «أن» مضمرة ، وهي وما بعدها في محلّ جر ، وأتى ب «شهداء» جمع «شهيد» الذي يدلّ على المبالغة دون شاهدين وشهود جمعي «شاهد».
وفي «على» قولان :
أحدهما : أنها على بابها ، وهو الظاهر.
والثاني : أنها بمعنى «اللام» ، بمعنى : أنكم تنقلون إليهم ما علمتموه من الوحي
__________________
(١) أخرجه مسلم «كتاب الإيمان» باب ٧٠ رقم (٢٤٠) وأبو عوانة (١ / ١٠٤) وأحمد (٢ / ٣١٧) وأبو نعيم في «الحلية» (٤ / ٣٠٨).
(٢) سقط في ب.