جواز الحذف ؛ فإنه جرّ بحرف غير ما جرّ به الموصول ، وأيضا : فقد اختلف متعلّقاهما إلّا أنه قد ورد ذلك في كلامهم ، وأمّا على القولين الأوّلين ، فيكون فاعل «يسمع» ضميرا يعود على «ما» الموصولة ، وهو المنعوق به.
وقيل : المراد ب «الّذين كفروا» المتبوعون ، لا التابعون ، والمعنى : «مثل الّذين كفروا في دعائهم أتباعهم ، وكون أتباعهم لا يحصل لهم منهم إلّا الخيبة ، كمثل النّاعق بالغنم» فعلى هذه الأقوال كلّها : يكون «مثل» مبتدأ و «كمثل» خبره ، وليس في الكلام حذف إلّا جهة التّشبيه.
وعلى القول الثاني من الأقوال الأربعة المتقدّمة : فقيل : معناه : «ومثل الّذين كفروا في دعائهم إلى الله تعالى ، وعدم سماعهم إيّاه ، كمثل بهائم الّذي ينعق» فهو على حذف قيد في الأوّل ، وحذف مضاف في الثاني.
وقيل : التقدير : «ومثل الّذين كفروا في عدم فهمهم عن الله ورسوله ، كمثل المنعوق به من البهائم الّتي لا تفقه من الأمر والنّهي غير الصّوت» فيراد بالذي ينعق : الذي ينعق به ، ويكون هذا من القلب ، وقال قائل : «هذا كما تقولون : «دخل الخاتم في يدي ، والخفّ في رجلي» وتقولون : «فلان يخافك ؛ كخوف الأسد» ، أي : كخوفه الأسد ، وقال تعالى : (ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ) [القصص : ٧٦] وإنّما العصبة تنوء بالمفاتح». وإلى هذا ذهب الفرّاء ، وأبو عبيدة ، وجماعة إلّا أنّ القلب لا يقع على الصّحيح إلّا في ضرورة أو ندور.
وأمّا على القول الثّالث ، وهو قول الأخفش ، والزّجّاج ، وابن قتيبة : فتقديره : «ومثل داعي الّذين كفروا كمثل النّاعق بغنمه ؛ في كون الكافر لا يفهم ممّا يخاطب به داعيه إلّا دويّ الصّوت ، دون إلقاء فكر وذهن ؛ كما أنّ البهيمة كذلك ، فالكلام على حذف مضاف من الأوّل.
فصل في المراد ب «ما لا يسمع»
قال الزّمخشريّ (١) : ويجوز أن يراد ب «ما لا يسمع» الأصمّ الأصلج الذي لا يسمع من كلام الرّافع صوته بكلامه إلّا النّداء والصّوت ، لا غير ؛ من غير فهم للحرف ، وهذا جنوح إلى جواز إطلاق «ما» على العقلاء ، أو لما تنزّل هذا منزلة من لا يسمع من البهائم ، أوقع عليه «ما».
وأما على القول الرابع ـ وهو اختيار سيبويه (٢) في هذه الآية ـ : فتقديره عنده : «مثلك يا محمّد ، ومثل الذين كفروا ، كمثل النّاعق والمنعوق به» ، واختلف النّاس في
__________________
(١) ينظر الكشاف : ١ / ٢١٤.
(٢) ينظر الكتاب : ١ / ١٠٨.