فصل في بيان مذاهب الفقهاء في الدباغ
للفقهاء سبعة مذاهب في أمر الدباغ :
فأولها : قول الزّهريّ : يجوز استعمال جلود الميتة بأسرها قبل الدّباغ ، ويليه داود ، قال : تطهر كلّها بالدّباغ ، ويليه مالك ؛ فإنه قال يطهر ظاهرها كلّها دون باطنها ، ويليه أبو حنيفة ـ رضي الله عنه ـ قال : يطهر كلها بالدّباغ إلا جلد الخنزير ، ويليه قول الإمام الشافعي ـ رضي الله عنه ـ قال : تطهر كلّها بالدّباغ إلّا جلد الكلب والخنزير ، ويليه الأوزاعي ، وأبو ثور ، قالا : يطهر جلد ما يؤكل لحمه فقط ، ويليه أحمد بن حنبل ، قال : لا يطهر منها شيء بالدباغ ؛ واحتجّ بالآية الكريمة ، والخبر ؛ أما الآية : فقوله تبارك وتعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) [المائدة : ٣] فأطلق التحريم ، ولم يقيّده بحال دون حال ، وأمّا الخبر : فقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ في حديث عبد الله بن عكيم ، لأنه قال : «أتانا كتاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبل وفاته بشهر ، أو شهرين : إنّي كنت رخّصت لكم في جلود الميتة ، فإذا أتاكم كتابي هذا ، فلا تنتفعوا من الميتة بإهاب ، ولا عصب» (١).
واختلفوا في أنّه ، هل يجوز الانتفاع بالميتة بإطعام البازيّ ، والبهيمة؟ فمنهم : من منع منه ؛ وقال : لأنّه انتفاع بالميتة ، والآية الكريمة دالّة على تحريم الانتفاع بالميتة ، فأمّا إذا أقدم البازيّ من عند نفسه على أكل الميتة ، فهل يجب عليه منعه ، أم لا؟ فيه احتمال.
فصل اختلافهم في حرمة الدّماء غير المسفوحة
حرّم جمهور العلماء الدّم ، سواء كان مسفوحا ، أو غير مسفوح ، وقال أبو حنيفة ـ رضي الله عنه ـ : [دم السّمك ليس بمحرّم.
حجّة الجمهور : ظاهر هذه الآية الكريمة ، وتمسّك أبو حنيفة ـ رضي الله عنه ـ](٢) بقوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) [الأنعام : ١٤٥] فصرّح بأنّه لم يجد من المحرّمات شيئا ، إلّا ما ذكر ، فالدّم الذي لا يكون مسفوحا ، وجب ألّا يكون محرّما ؛ لأنّ هذه الآية الكريمة خاصّة ، وتلك عامّة ، والخاصّ مقدّم على العامّ.
وأجيب بأنّ قوله «لا أجد» ليس فيه دلالة على تحليل غير هذه الأشياء المذكورة في
__________________
(١) أخرجه أبو داود (٢ / ٤٦٥) كتاب اللباس باب من روى أنه لا ينتفع بإهاب الميتة (٤١٢٧) والترمذي (٤ / ١٩٤) رقم (١٧٢٩) وابن ماجه (٣٦١٣) والنسائي (٧ / ١٧٥) وأحمد (٤ / ٣١٠ ـ ٣١١) وابن أبي شيبة (٨ / ٣١٥) و (١٣ / ٥٣) والطحاوي في «مشكل الآثار» (٤ / ٢٥٩) وابن عبد البر (٤ / ٢٥٩ ـ ٢٦٠ ـ ٢٦١) والطبراني في «الأوسط» (٢ / ١٠١) من حديث عبد الله بن عكيم.
(٢) سقط في ب.