المرخّصة والخاصّ متقدّم على العامّ ، وعن الوجوه القياسيّة بأنه يمكنه الوصول إلى استباحة هذه (١) الرخص بالتّوبة ، فإذا لم يتب ، فهو الجاني على نفسه ، ثم تعارض هذه الوجوه : بأنّ الرخصة إعانة على السّفر ، فإذا كان السّفر معصية ، كانت الرخصة إعانة على المعصية ، والمعصية ممنوع منها ، والإعانة سعي في تحصيلها ؛ فالجمع بينهما متناقض (٢).
فصل في اختلافهم في اختيار المضطرّين المحرّمات
اختلفوا في المضطرّ ، إذا وجد كلّ ما يضطرّ من المحرّمات.
فالأكثرون على أنّه مخيّر بين الكلّ ، ومنهم من قال : يتناول الميتة ، دون لحم الخنزير ويعد لحم الخنزير أعظم في التّحريم.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١٧٤)
قال ابن عبّاس : نزلت في رؤوس اليهود : كعب بن الأشرف وكعب بن أسد ، ومالك بن الصيف ، وحييّ بن أخطب ، وأبي ياسر بن أخطب ؛ كانوا يأخذون من أتباعهم الهدايا ، وكانوا يرجون أن يكون النبيّ المبعوث منهم ، فلما بعث محمّد عليه الصّلاة والسّلام من غيرهم خافوا انقطاع تلك المنافع ؛ فكتموا أمر محمّد صلىاللهعليهوسلم بأن غيّروا صفته ، ثم أخرجوها إليهم ، فإذا ظهرت السفلة على النّعت المغيّر ، وجدوه مخالفا لصفته صلىاللهعليهوسلم ، فلا يتبعونه ، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية (٣).
قال القرطبيّ (٤) : ومعنى «أنزل» : أظهر ؛ كما قال تعالى : (وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ) [الأنعام : ٩٣] أي : سأظهر وقيل : هو على بابه من النّزول ، أي : ما أنزل به ملائكته على رسله.
قوله : «من الكتاب» : في محلّ نصب ، على الحال ، وفي صاحبها وجهان :
أحدهما : أنّه العائد على الموصول ، تقديره : «أنزله الله» حال كونه «من الكتاب» فالعامل فيه «أنزل».
والثاني : أنه الموصول نفسه ، فالعامل في الحال «يكتمون».
قوله : (وَيَشْتَرُونَ بِهِ) : الضمير في «به» يحتمل أن يعود على «ما» الموصولة ، وأن يعود على الكتم المفهوم من قوله : «يكتمون» ، وأن يعود على الكتاب ، والأوّل أظهر ،
__________________
(١) في ب : تلك.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ٢١.
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ٢٣ ، البغوي ١ / ١٤١.
(٤) ينظر : تفسير القرطبي ٢ / ١٥٧.