القرآن ، فإن كان الأوّل ، كان المعنى وإن الّذين اختلفوا في تأويله ، وتحريفه ، لفي شقاق بعيد وإن كان الثّاني ، كان المعنى : وإن الذين اختلفوا في كونه حقّا منزّلا من عند الله تعالى لفي شقاق بعيد.
فصل في المراد باختلافهم
والمراد باختلافهم :
إن قلنا المراد ب «الكتاب» هو القرآن ، كان اختلافهم فيه : أنّ بعضهم قال : هو كهانة ، وقال آخرون هو سحر ، وآخرون قالوا : هو رجز ، ورابع قال هو أساطير الأوّلين وخامس قال : إنّه كلام مختلق. وإن قلنا : المراد ب «الكتاب» هو التوراة والإنجيل ، فالمراد باختلافهم يحتمل وجوها (١).
أحدها : اختلافهم في دلالة التّوراة على نبوّة المسيح (٢) ، فاليهود قالوا : إنّها دالّة على القدح في عيسى ؛ والنصارى قالوا : إنّها دالّة على نبوّته.
وثانيها : اختلافهم في الآيات الدالّة على نبوّة محمّد ـ عليهالسلام ـ فذكر كلّ واحد منهم له تأويلا فاسدا.
وثالثها : قال أبو مسلم : قوله : «اختلفوا» من باب «افتعل» الذي يكون مكان «فعل» ، كما يقال كسب واكتّسب ، وعمل واعتمل ، وكتب واكتتب ، وفعل وافتعل ، ويكون معنى قوله (إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا) أي : توارثوه وصاروا خلفاء فيه ؛ كقوله تبارك وتعالى (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ) [الأعراف : ١٦٩] وقوله (إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [يونس : ٦] أي : كل واحد منهما يأتي خلف الآخر ، [وقوله (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً) [الفرقان : ٦٢] ، أي كلّ واحد منهما يخلف الآخر](٣) ، وفي الآية الكريمة تأويلات ثلاث أخر.
أحدها : أن يكون المراد ب «الكتاب» جنس ما أنزل الله ، والمراد ب (الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ) الذين اختلف قولهم في الكتاب ، فقلبوا بعض كتب الله ، وهي التوراة والإنجيل ؛ لأجل عداوتك ، وهم فيما بينهم في شقاق بعيد ، ومنازعة شديدة ، فلا ينبغي أن تلتفت إلى اتّفاقهم على العداوة (٤) ؛ فإنه ليس بينهم مؤالفة وموافقة.
وثانيها : كأنه تعالى يقول : هؤلاء ، وإن اختلفوا فيما بينهم ، فإنّهم كالمتفقين على عداوتك ، وغاية المشاقّة لك ، فلهذا خصّهم الله بذلك الوعيد.
وثالثها : أنّ هؤلاء الّذين اتّفقوا على أصل التّحريف ، فإن كلّ واحد منهم يكذّب
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ٢٩.
(٢) في ب : عيس.
(٣) سقط في ب.
(٤) في ب : عليها.