صاحبه ، ويشاقّه ، وينازعه ، وإذا كان كذلك ، فقد عرفت كذبهم بقولهم ، فلا يكون قدحهم فيك قدحا ألبتّة.
قوله تعالى : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)(١٧٧)
قرأ الجمهور برفع «البرّ» وحمزة ، وحفص عن عاصم بنصبه ، فقراءة الجمهور على أنّه اسم «ليس» و «أن تولّوا» خبرها في تأويل مصدر ، أي : ليس البرّ توليتكم ، ورجّحت هذه القراءة من حيث إنّه ولي الفعل مرفوعة قبل منصوبه ، وأمّا قراءة (١) حمزة وحفص ف «البرّ» خبر مقدّم ، و «أن تولّوا» اسمها في تأويل مصدر ، ورجّحت هذه القراءة بأنّ المصدر المؤوّل أعرف من المحلّى بالألف واللام ؛ لأنّه يشبه الضّمير ، من حيث إنّه لا يوصف ؛ ولا يوصف به ، والأعرف ينبغي أن يجعل الاسم وغير الأعرف الخبر ؛ وتقديم خبر «ليس» على اسمها قليل ؛ حتى زعم منعه جماعة [منهم ابن درستويه (٢) ، قال : لأنّها تشبه «ما» المجازيّة ولأنّها حرف على قول جماعة ، لكنه](٣) محجوج بهذه القراءة المتواترة ، وبقول الشاعر [الطويل]
٩١٠ ـ سلي إن جهلت النّاس عنّا وعنهم |
|
فليس سواء عالم وجهول (٤) |
وقال آخر : [الطويل]
٩١١ ـ أليس عظيما أن تلمّ ملمّة |
|
وليس علينا في الخطوب معوّل (٥) |
وفي مصحف أبيّ (٦) ، وعبد الله «بأن تولّوا» بزيادة الباء ، وهي واضحة ؛ فإن الباء تزاد في خبر «ليس» كثيرا.
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ١ / ٢٤٣ ، والبحر المحيط ٢ / ٤ ، والدر المصون ١ / ٤٤٦.
(٢) عبد الله بن جعفر بن درستويه ـ بضم الدال والراء ـ وضبطه ابن ماكولا بالفتح. صنف الإرشاد في النحو وشرح الفصيح توفي سنة ٣٤٧ ه. ينظر البغية ٢ / ٣٦.
(٣) سقط في ب.
(٤) البيت للسموأل ينظر ديوانه ص ٩٢ ، وخزانة الأدب ١ / ٣٣١ ، شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٢٣ ، وله أو للجلاح الحارثي في تخليص الشواهد ص ٢٣٧ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٧٦ ، والأشموني ١ / ١٢ ، وشرح ابن عقيل ص ١٤٠ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٠٤ ، وشرح قطر الندى ص ١٣٠ ، والدر المصون ١ / ٤٤٦.
(٥) البيت لعروة بن الورد ينظر : ديوانه (١٣١). وهو من شواهد البحر (٢ / ٤) ، والحماسة ١ / ٥٩٥.
(٦) ينظر : المحرر الوجيز ١ / ٢٤٣ ، والبحر المحيط ٢ / ٤ والدر المصون ١ / ٤٤٦.