بوجوده ، وقدرته ، وبقائه ، وكونه عالما بكلّ المعلومات قادرا على كلّ الممكنات.
__________________
ـ بالاختيار ، فهو حادث ، لأنه اختيار وجوده مستلزم سبق عدم ، وإلا كان تحصيل حاصل في الوجود ، فينتج أن العالم حادث ، فقد ظهر لك الفرق بين الطريقتين ، وقد أقام المتكلمون على إثبات الصانع أدلة عقلية وأخرى كونية ، ونحن نبدأ بذكر الأدلة العقلية ، فنقول :
الدليل الأول : اعلم أولا أن المعلوم ينقسم على رأي الأشاعرة إلى : موجود ، ومعدوم ؛ لأنه إن كان بحيث يشار إليه بالإشارة الحسية فموجود ، وإن لم يمكن الإشارة إليه بالإشارة الحسية ، فمعدوم ، ولا ثالث ، ثم إن الموجود ينقسم إلى قسمين : موجود واجب ، وموجود ممكن ، لأنه إن كان وجوده يقتضي ذاته فالواجب ، وإن كان وجوده مستفادا من غيره فالممكن ، ثم إن الموجود الممكن ينقسم إلى قسمين : جوهر ، وعرض فالجوهر ما تميز بذاته ، والعرض ما كان تابعا لغيره في التحيّز ، إذا علمت هذا ، فاعلم أنّ العالم بجميع أجزائه من جواهر وأعراض حادث ، وكلّ حادث لا بدّ له من محدث.
أما الصغرى : وهي العالم بجميع أجزائه من جواهر وأعراض حادث ، فقد تضمنت حدوث الجواهر والأعراض ، وهو نظري ، فلذلك وجب إثباته بالدليل ، حتى تكون الصغرى مسلّمة ، فنقول :
الجواهر ملازمة للأعراض الحادثة ، وكل ملازم للأعراض الحادثة حادث ، فالجواهر حادثة ، وتسليم صغرى هذا الدليل مبني على مطالب :
الأول : إثبات أعراض زائدة على الجواهر.
الثاني : ملازمة الجواهر للأعراض.
الثالث : إثبات حدوث الأعراض الزائدة.
ووجه ابتناء تسليم صغرى هذا القياس على هذه المطالب : أن الخصم ربما يقول : لا نسلّم أن هناك زائدا على الجواهر فيبطل هذا القول بالمشاهدة ؛ إذ ما من عاقل إلا ويحس أن لذاته شيئا زائدا عليها ؛ كاللون ، والحركة ، والنوم ، واليقظة ، وغير ذلك وأيضا فإن بعض الأذكياء قدروه بقولهم :
نزاعكم لنا موجود أو معدوم ، فإن قلتم : غير موجود ، فقد خرجتم عن طور العقلاء ، وسقط جوابكم من وجهين : خروجكم عن دائرة العقلاء ، وإقراركم أنكم لم تنازعونا.
وإن قلتم : إن نزاعكم لنا موجود ، فلا شك أنه عرض زائد على ذاتكم ؛ فقد سلمتم مدعانا.
فنقول : سلّمنا ذلك ، لكن لا نسلم ملازمة الجواهر للأعراض ، فيبطل بالمشاهدة ، فإنّا لم نشاهد جوهرا منفكا عن عرض ، كما لا نعقل جسما خاليا عن حركة وسكون ، أو بياض وسواد ، وأما المطلب الثالث ؛ وهو إثبات حدوث الأعراض الزائدة : فينبني على مطالب أربعة أيضا :
الأول : إبطال قيام العرض بنفسه «الثاني» إبطال انتقاله. «الثالث» إبطال كمونه وظهوره. «الرابع» إبطال أن القديم لا يتقدم ، وبيان ذلك : أنا إذا قلنا : هذه الأعراض الزائدة حادثة ؛ لتغيرها من عدم إلى وجود وعكسه ، وكل متغيّر حادث ، فللخصم منع الصغرى ، وادّعاء أن الحركة مثلا لم تكن معدومة ثم وجدت ، بل كانت موجودة قبل ذلك.
فنقول له : إنّها عند وجودها هل كانت قائمة بنفسها أو بمحل؟ فإن قال : بنفسها ، لزمه قيام العرض بنفسه ؛ وهو قلب لحقيقة العرض ، وإن قال بمحل ، فنقول له : ذلك القائم به هل هذا المنزل الآن أو غيره؟ فإن قال : غيره ثم انتقلت عن هذا ، لزمه ما ذكر ـ وهو قيام العرض بنفسه في لحظة الانتقال ـ ، وإن قال : هذا المحل ، وكانت كامنة فيه ثم ظهرت ، لزم اجتماع الضدين ، وهما الحركة والسكون في الجسم الواحد ، وذلك باطل.
هذا إذا كان التغير من عدم إلى وجود ، أما إذا كان التغير من وجود إلى عدم ، ربما يقول الخصم : إن ذلك لا يدلّ على حدوث الزائد ؛ لاحتمال أن يكون قديما ، وقد انعدم والقديم ينعدم ، فنقول : إنّ ـ