وثانيها : الإيمان باليوم الآخر ، وهذا متفرّع على الأوّل ؛ لأنّا إن لم نعلم قدرته على جميع الممكنات ، لا يمكننا أن نعلم صحّة الحشر والنّشر.
__________________
ـ القديم لو انعدم ، لكان جائزا ، والجائز لا يكون وجوده إلا حادثا ، وقد قلتم : إنه قديم وإلى هنا سلمت المقدمة الصغرى القائلة الجواهر ملازمة للأعراض الحادثة.
أما الكبرى القائلة : وكل ملازم للحادث حادث ، فثبوت صحتها ظاهر ، لأن ملازم الأعراض الحادثة لا يصح أن يسبقها ؛ إذ لو سبقها ، لانتفت الملازمة ، وإذ لم يصح أن يسبقها ، يكون حادثا مثلها لكن للخصم أن يقول :
إني أسلّم لكم أن الجواهر حيث كانت ملازمة للأعراض الحادثة ، فلا تسبقها ، ولكن كونها حادثة غير مسلّم ؛ لأن حدوثها إنما يسلم إذا كانت الأعراض الحادثة التي لازمت الجواهر لها مبدأ يفتتح عددها ، وليس هذا بمسلّم.
لم لا يجوز أن تكون تلك الأعراض الحادثة لا مبدأ لها ، وما من حادث إلا وقبله حادث مثله ، وهكذا لا إلى أول فتكون الجواهر قديمة ، ونوع الأعراض الذي لا ينفك عن الجواهر قديم ، والحادث هو شخص العرض.
ولدفع ذلك نذكر الأدلة الآتية :
الدليل الأول :
أنه لو سلم أن هناك حوادث لا أوّل لها ، للزم التسلسل ؛ وهو محال.
والتسلسل : هو أن يستند الممكن في وجوده إلى علّة موثرة ، وتستند العلة المؤثرة إلى علة أخرى مؤثرة ، وهكذا إلى غير النهاية.
وقد ذكر علماء الكلام أدلة كثيرة على بطلان التسلسل ، نقتصر منها على «برهان التطبيق» ، وحاصله :
أننا نفرض جملة من الحوادث من الآن إلى ما لا نهاية له في الأزل ، ثم نفرض من هذه السلسلة نفسها جملة أخرى تبتدىء من الطوفان إلى ما لا نهاية له من الأزل ، وبعد هذا الفرض نقابل أول فرد من السلسلة الطوفانية بأول فرد من السلسلة الآنية ، وتستمر في باقي الأفراد هكذا إلى الأزل ، فعند ذلك لا يخلو الحال من واحد من أمرين : إما أن يتساوبا ، وإما أن يتفاوتا ، فإن تساويا ، لزم مساواة الزائد للناقص ، وهو محال ، فما أدّى إليه ـ وهو التسلسل ـ محال ، وإن تفاوتا وانتهت الناقصة ، كان التفاوت بينهما بمقدار متناه ؛ لأنه من الآن إلى الطوفان ، والتفاوت بالمتناهي يستلزم التناهي ، فلا تسلسل ، وذلك لأن الناقصة لما انقطعت كانت متناهية ، والزائدة لم تزد عليها إلا بذلك المقدار المبتدأ من الحادث الأخير إلى الطوفان ، وهو متناه ؛ فيلزم التناهي لا محالة.
الدليل الثاني على إبطال حوادث لا أول لها :
ذكر الآمدي في أبكار الأفكار أدلة كثيرة على إبطال حوادث لا أوّل لها ، ثم كرّ على بعضها بالإبطال ، وقال في البعض الآخر : إنه غير سديد ، ثم قال : والأقرب في ذلك أن يقال :
لو كانت العلل والمعلولات غير متناهية ، لكان كل واحد منها ممكنا على ما وقع به الفرض ، فهي إمّا متعاقبة أو لا ، فإن كانت متعاقبة ، فقد قيل : إن ذلك محال ؛ لثلاثة أوجه :
الأول : أن كل واحد منها يكون مسبوقا بالعدم ، والجملة مجموع الآحاد ، فالجملة تكون مسبوقة بالعدم ، وكل جملة مسبوقة بالعدم ، فلوجودها أوّل ينتهي إليه ، فالقول بكونه غير متناه محال.
الثاني : هو أنّ كلّ واحد منها يكون مشروطا في وجوده بوجود علته قبله ، فلا يوجد حتى توجد علته ، وكذا الكلام في علته بالنسبة إلى علتها ، وهلمّ جرّا ، فإذا قيل بعدم النهاية ، فقد تعذر الوقوف على شرط الوجود ، فلا وجود لواحد منها ، وهذا كما قيل : لا أعطيك درهما إلا وقبله درهم ، فإنه لمّا كان ـ