الثاني : أنه يعود على الإيتاء المفهوم من قوله تعالى : «آتى» ، أي : على حبّ الإيتاء ؛ كأنه قيل : يعطي ، ويحبّ الإعطاء ؛ رغبة في ثواب الله (١).
قال شهاب الدّين (٢) : وهذا بعيد من حيث اللفظ ، ومن حيث المعنى.
أما من حيث اللفظ : فإنّ عود الضمير على غير مذكور ، بل مدلول عليه بشيء ـ خلاف الأصل.
وأمّا من حيث المعنى : فإنّ المدح لا يحسن على فعل شيء يحبه الإنسان ، لأنّ هواه يساعده على ذلك.
قال زهير : [الطويل]
٩١٦ ـ تراه إذا ما جئته متهلّلا |
|
كأنّك تعطيه الّذي أنت سائله (٣) |
الثالث : أن يعود على الله تعالى ، يعني : «يعطون المال على حبّ الله» ؛ وعلى هذه الأقوال الثّلاثة يكون المصدر مضافا للمفعول ، وعلى هذا ، فالظاهر أنّ فاعل هذا المصدر هو ضمير المؤتي ، وقيل : هو ضمير المؤتون ، أي : «حبّهم له» ، واحتياجهم إليه ، وليس بذلك ، و «ذوي القربى» على هذه الأقوال الثلاثة : منصوب ب «آتى» فقط ، لا بالمصدر ؛ لأنّه قد استوفى مفعوله.
الرابع : أن يعود على «من آمن» ، وهو المؤتي للمال ، فيكون المصدر على هذا مضافا للفاعل ، وعلى هذا : فمفعول هذا المصدر يحتمل أن يكون محذوفا ، أي : «حبّه المال» ، وأن يكون ذوي القربى ، إلا أنه لا يكون فيه تلك المبالغة التي فيما قبله.
قال ابن عطيّة (٤) : ويجيء قوله «على حبّه» اعتراضا بليغا في أثناء القول.
قال أبو حيّان (٥) ـ رحمهالله ـ : فإن أراد بالاعتراض المصطلح عليه ، فليس بجيّد ، فإنّ ذلك من خصوصيّات الجملة الّتي لا محلّ لها ، وهذا مفرد ، وله محلّ ، وإن أراد به الفصل بالحال بين المفعولين ، وهما «المال» ، و «ذوي» ، فيصحّ ، إلا أنه فيه إلباس.
فصل في معنى الإيتاء
اختلفوا في المراد من هذا الإيتاء ، فقال قوم : إنّها الزكاة ، وهذا ضعيف ؛ لأنّه عطف الزكاة عليه ، بقوله : (وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ) [البقرة : ١٧٧] ومن حق المعطوف ، والمعطوف عليه المغايرة ، ثم لا يخلو : إمّا أن يكون تطوّعا ، أو واجبا ، ولا
__________________
ـ داود (٢٨٦٥) وابن ماجه (٢٧٠٦) وأحمد (٢ / ٢٣١ ، ٤١٥ ، ٤٤٧) والبيهقي (٤ / ٩٠) والبخاري في «الأدب المفرد» (٧٧٨) وابن خزيمة (٢٤٥٤).
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ٣٥.
(٢) ينظر : الدر المصون ١ / ٤٤٧ ـ ٤٤٨.
(٣) ينظر : ديوانه (٩٢) والدر المصون ١ / ٤٤٨.
(٤) ينظر : المحرر الوجيز ١ / ٢٤٣.
(٥) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٧.