تعالى محمّدا صلىاللهعليهوسلم أوجب رعاية العدل ، وسوّى بين عباده في حكم القصاص ، وأنزل الله هذه الآية.
الوجه الثاني : قال السّدّيّ : إن قريظة والنّضير كانوا مع تديّنهم بالكتاب ، سلكوا طريقة العرب ، فنزلت الآية.
الوجه الثالث : نزلت في واقعة قتل حمزة (١) ـ رضي الله عنه ـ.
الوجه الرابع : روى محمّد بن جرير الطبريّ ، عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ ، وعن الحسن البصريّ : أن المقصود من هذه الآية الكريمة التسوية بين الحرّين والعبدين والأنثيين في القصاص ، فأما إذا كان القاتل للعبد حرّا ، أو للحرّ عبدا ، فإنه يجب مع القصاص التراجع ، وأما حرّ قتل عبدا ، فهو قوده ، فإن شاء أولياء العبد أن يقتلوا الحرّ ، قتلوه بشرط أن يسقطوا ثمن العبد من دية الحر ويردوا إلى أولياء الحر بقيّة ديته ، وإن قتل عبد حرا ، فهو به قود ، فإن شاء أولياء الحرّ ، قتلوا العبد ، وأسقطوا قيمة العبد من دية الحرّ ، وأدّوا بعد ذلك إلى أولياء الحرّ بقيّة ديته ، وإن شاءوا أخذوا كلّ الدية ، وتركوا كل العبد ، وإن قتل رجل امرأة ، فهو بها قود ، فإن شاء أولياء المرأة ، قتلوه ، وأدّوا نصف الدية ، وإن شاءوا ، أعطوا كلّ الدية ، وتركوها ، فالآية الكريمة نزلت لبيان أن الاكتفاء بالقصاص مشروع بين الحرّين ، [والعبدين والأنثيين ، والذكرين ، فأما عند اختلاف الجنس ، فالاكتفاء غير مشروع فيه].
فصل في اشتقاق كلمة «القصاص»
و «القصاص» : مصدر قاصّه يقاصّه قصاصا ، ومقاصّة ؛ نحو : قاتلته قتالا ، ومقاتلة ، وأصله من : قصصت الشيء ، اتّبعت أثره ؛ لأنّه اتباع دم المقتول.
قال تعالى : (فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً) [الكهف : ٦٤] ، (وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ) [القصص : ١١] ، أي : اتبعي أثره ، وسمّيت القصّة قصّة ؛ لتتبّع الخبر المحكيّ ، والقصص تتبّع أخبار النّاس ، وسمّي المقصّ مقصّا ؛ لتعادل جانبيه ، هذا أصل المادّة.
فمعنى القصاص : تتبّع الدم بالقود ، ومنه التقصيص ، لما يتبع من الكلأ بعد رعيه ، والقصّ أيضا : الجصّ ، ومنه «نهيه ـ عليهالسلام ـ عن تقصيص القبور» أي : تجصيصها.
فصل
روى البخاريّ ، والنّسائيّ ، والدّار قطنيّ ، عن ابن عبّاس ، قال : كان في بني إسرائيل القصاص ، ولم يكن فيهم الدّية ، فقال الله لهذه الأمّة : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ٤١.