بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ)(١) [البقرة : ١٧٨].
والعفو : أن يقبل الدية في العبد : (فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) تتبع بالمعروف ، وتؤدي بإحسان ، «ذلك تخفيف من ربّكم ورحمة» مما كتب على من كان قبلكم ، (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ ، فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) فمن قتل بعد قبول الدّية ، هذا لفظ البخاريّ.
وقال الشّعبيّ في قوله تعالى : (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) قال : نزلت في قبيلتين من قبائل العرب اقتتلا قتال عمية ، فقالوا : نقتل بعبدنا فلان ، ابن فلان ، وبأمتنا فلانة بنت فلان ، ونحوه عن قتادة (٢).
فصل في المراد بقوله (كُتِبَ عَلَيْكُمُ)
قوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ) : معناه : «فرض عليكم» ، فهذه اللفظة تقتضي الوجوب من وجهين :
أحدهما : أن قوله كتب في عرف الشرع يفيد الوجوب. قال تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) [البقرة : ١٨٣] وقال : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ) [البقرة : ١٨٠] وقد كانت الوصية واجبة ، ومنه الصلوات المكتوبات أي : المفروضات قال عليهالسلام «ثلاث كتبت عليّ ولم تكتب عليكم».
والثاني : لفظة «عليكم» مشعرة بالوجوب ؛ لقوله (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) [آل عمران : ٩٧].
والقصاص : أن يفعل بالإنسان مثل ما فعل ، فهو عبارة عن التّسوية ، والمماثلة في الجراحات ، والدّيات.
وقيل «كتب» هنا إخبار عمّا كتب في اللّوح المحفوظ ، وقوله «في القتلى» ، أي : بسبب القتلى ، كما تقدّم ؛ فدلّ ظاهر الآية على وجوب القصاص على جميع المؤمنين بسبب قتل جميع القتلى ، إلّا أنّهم أجمعوا على أنّ غير القاتل خارج عن هذا الفارق ، أمّا القاتل ، فقد دخله التخصيص أيضا في صور كثيرة ؛ وهي ما إذا قتل الوالد ولده ، والسّيّد عبده ، وفيما إذا قتل مسلم مسلما خطأ ، إلّا أنّ العامّ إذا دخله التخصيص ، يبقى حجّة فيما عداه.
__________________
(١) أخرجه البخاري (٦ / ٥٢) كتاب التفسير باب سورة البقرة (٤٤٩٨) والنسائي (٨ / ٣٧) رقم (٤٧٨١) والبيهقي (٨ / ٥١) والطبري في «تفسيره» (٣ / ٣٧٣) وعبد الرزاق في «تفسيره» ص ١٦ وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٣١٧) وزاد نسبته لسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في «ناسخه» عن ابن عباس موقوفا.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٣٥٩) عن الشعبي ، وزاد نسبته السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٣١٦) لعبد بن حميد.