الأول : وعليه الأكثرون : أنّ فائدته إبطال ما كان عليه الجاهليّة من أنهم كانوا يقتلون بالعبد منهم الحرّ من قبيل القاتل ، ففائدة التخصيص زجرهم عن ذلك ، وللقائلين بالقول الأوّل : أن يقولوا : قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) يمنع من جواز قتل الحرّ بالعبد ، لأنّ القصاص عبارة عن المساواة ، وقتل الحرّ بالعبد لم يحصل فيه رعاية المساواة ، لأنّه زائد عليه في الشّرف ، وفي أهليّة القضاء ، والإمامة ، والشهادة ؛ فوجب ألّا يشرع ، أقصى ما في الباب أنه ترك العمل بهذا النّصّ في قتل العالم بالجاهل ، والشّريف بالخسيس بالإجماع إلّا أنّه يبقى في غير محلّ الإجماع على الأصل ، ثم إن سلّمنا أنّ قوله (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى ..) يوجب قتل الحر بالعبد ، إلّا أنّا بينّا أنّ قوله : (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ) يمنع من جواز قتل الحرّ بالعبد ؛ لأنّ هذا خاصّ ، وما قبله عامّ ، والخاصّ مقدّم على العامّ ، ولا سيّما إذا كان الخاصّ متّصلا بالعامّ في اللّفظ ، فإنه يكون بمنزلة الاستثناء ، ولا شكّ في وجوب تقديمه على العامّ.
الوجه الثاني من بيان فائدة التّخصيص : نقله محمّد بن جرير ، عن عليّ بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ والحسن البصريّ : أنّ هذه الصّور هي التي يكتفي فيها بالقصاص ، وفي باقي الصّور ، أعني : القصاص بين الحرّ والعبد ، وبين الذّكر والأنثى ، لا يكتفي فيها بالقصاص ، بل لا بدّ من التراجع ، إلّا أنّ أكثر المحقّقين زعم أنّ هذا النّقل لم يصحّ عن عليّ ـ رضي الله عنه ـ وهو أيضا ضعيف عند النّظر لأنّه قد ثبت أنّ الجماعة تقتل بالواحد ، ولا تراجع ، فكذلك يقتل الذّكر بالأنثى ، ولا تراجع.
قوله (فَمَنْ عُفِيَ) يجوز في «من» وجهان :
أحدهما : أن تكون شرطيّة.
والثاني : أن تكون موصولة ، وعلى كلا التقديرين ، فموضعها رفع بالابتداء ؛ وعلى الأوّل : يكون «عفي» في محلّ جزم بالشّرط ؛ وعلى الثّاني : لا محلّ له ، وتكون الفاء واجبة في قوله : «فاتّباع» على الأوّل ، ومحلّها وما بعدها الجزم وجائزة في الثّاني ، ومحلّها وما بعدها الرفع على الخبر ، والظاهر أنّ «من» هو القاتل ، والضمير في «له وأخيه» عائد على «من» و «شيء» هو القائم مقام الفاعل ، والمراد به المصدر ، وبني «عفي» للمفعول ، وإن كان قاصرا ؛ لأن القاصر يتعدّى للمصدر ؛ كقوله تعالى : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ) [الحاقة : ١٣] ، والأخ هو المقتول ، أو وليّ الدم ، وسمّاه أخا للقاتل ؛ استعطافا عليه ، وهذا المصدر القائم مقام الفاعل المراد به الدّم المعفوّ عنه ، و «عفي» يتعدّى إلى الجاني ، وإلى الجناية ب «عن» ؛ تقول: «عفوت عن زيد ، وعفوت عن ذنب زيد» فإذا عدي إليهما معا ، تعدّى إلى الجاني ب «اللام» ، وإلى الجناية ب «عن» ؛ تقول «عفوت لزيد عن ذنبه» ، والآية من هذا الباب ، أي : «فمن عفي له عن جنايته» وقيل : «من» هو وليّ الدم أي من جعل له من دم أخيه بدل الدم ، وهو القصاص ، أو الدّية ،